هناك ربط حقيقي للدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط بين شخص الرئيس ​فلاديمير بوتين​ وبين دولة ​روسيا​ الإتحادية.

فالرئيس الروسي علامة مضيئة في تاريخ روسيا الإتحادية. فهو الذي اعتبر في العام 2005 انهيار ​الإتحاد السوفياتي​ الكارثة الجيوسياسية الأكبر في القرن العشرين، وهو الذي عبَّـر عن تقديره لشخص الزعيم الراحل ​جوزف ستالين​ حيث اعتبره مؤسس القوة السوفياتية العظمى بحيث أمر بإعادة تدريس الحقبة الستالينية للتلاميذ في المدارس الرسمية بعد تحريمها لأكثر من ستين عاما مضت.

رسم بوتين أولوياته كرئيس لروسيا في ضوء حسابات له تتعلق بمكانتها ودورها ورأى أن إعادة دور روسيا له علاقة وثيقة بمواجهة سياسة ​الولايات المتحدة​ والحلف الأطلسي في مجال الدفاع الصاروخي ما يفرض على ما يقول هو ’’بعدم التخلي عن قدرات الردع الإستراتيجية والتي تشكِّـل الضمانة الأساسية لأمتنا‘‘. وكذلك خلال حقبة رئاسته السابقة أنجز أضخم برنامج للتسليح في البلاد منذ عقود طويلة قيمته 23 ألف مليار روبل أي ما يقارب الألف مليار دولار. فالأولوية في حسابات الرئيس فلاديمير بوتين هي لموقع روسيا في الدائرة المحيطة بها وفي الدوائر الأبعد وتحديدا الشرق الأوسط. وهنا يكتسب البعد الأمني العسكري أهمية خاصة باعتباره المدخل لحماية المصالح الروسية ودور روسيا دوليا وللجم سياسات الناتو وأطواق الدروع النووية التي يدرك سيد الكرملين أنه لا يمكن تفسيرها بأنها تدابير وقائية ضد ما يسميه الغرب ’’الخطر الايراني‘‘.

يملك الرئيس بوتين تفويضا شعبيا واضحا يعطيه صفة الزعيم الوطني من دون منازع. وهو نجح في كسب الطبقة المتوسطة التي تشكل ثلث السكان والتي كانت مدار رهان الغرب حيث خصًّها بـ170 مليار دولار ونجح في كسب أساتذة الجامعات الذين هم أقل شرائح المجتمع الروسي دخلا وأكثرهم خطورة في تحريك الشباب. وهو أعلن بوضوح بأنه لا يجوز تحديد قواعد اللعب في الإقتصاد والسياسة الدولية من وراء ظهر روسيا أو بمعزل عنها وعن مصالحها. كما اعتبر أن الإستقرار الإجتماعي الداخلي هو جوهري للحؤول دون التدخل الغربي في المسألة الداخلية ما يتيح لروسيا إمكانية التحرك بحرية ومرونة في الدوائر البعيدة وفي الشرق الأوسط لمكافحة الإرهاب الدولي وفرض التعاون البنَّاء.

وإذا كانت المقاربة الروسية للأزمة السورية هي أن الحرب ليست هي الحل إلا أن الرئيس بوتين أدرك أن الميدان العسكري هو الذي يقرّر حجم التوازنات والأدوار. ومن هنا تدخل عسكريا عندما اكتشف أن التدخلات الغربية والتركية والخليجية وتزويد الساحة السورية بالمقاتلين والأسلحة أدّى إلى كون عديد المعارضة العسكرية والتنظيمات الدينية المتطرفة هو أربعة أضعاف الجيش السوري والتنظيمات الحليفة له على الأرض. وهكذا رأى أنه من الأفضل لموسكو مواجهة الإرهاب التكفيري على الأرض السورية من ملاقاة تداعياته في الداخل الروسي والجوار.

لا شك أن روسيا نجحت مع حليفها الايراني و​حزب الله​ والجيش السوري في إضعاف الدور الغربي والخليجي في ​سوريا​ وقرَّبت دمشق من الحل السياسي ومن إقامة الدولة المدنية العادلة والتي تستوعب الجميع وتعيد للنظام السياسي استقلالية قراره وتحول دون تدخل عسكري أميركي أو فرنسي وبريطاني قي سوريا. كما أن موسكو التي تضع في حساباتها هدفا ثابتا هو الحؤول دون تقسيم سوريا نجحت في إسقاط المعادلة الغربية والخليجية لتنحية الرئيس السوري الدكتور ​بشار الأسد​. وبالتأكيد فإن الحل في دمشق سينتج نظاما إقليميا ودوليا جديدا يكسر فكرة الأحادية القطبية ويعيد روسيا شريكا فعليا في الحسابات الدولية. ومن هنا الشبه الكبير بين فلاديمير بوتين وجوزف ستالين. بوتين جعل من موسكو حاضرة فعليا في نسيج الشرق الأوسط وفي مواجهة الإرهاب التكفيري وستالين ساهم فعليا في إسقاط الفاشية وفي رسم ثنائية دولية وضعت حدودا للتسلط الدولي الغربي على دول العالم الثالث ودول عدم الإنحياز.

لم تتعرض هذه المقاربة إلى الإتفاق النووي مع ايران الذي لا ترى موسكو بديلا منه. فأي خروج عن هذا الإتفاق المقصود منه زعزعة الإستقرار في المنطقة. كما لم تتعرض ’’المقاربة‘‘ إلى أزمة الشرق الأوسط علما بأن الموقف الروسي هو مع السلام العادل والشامل استنادا للقرارين 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام.. وفي هذا السياق فإن موسكو تعترض على نقل السفارة الأميركية إلى القدس كما تعترض على السياسات الأميركية الجديدة للرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ سواء في مجال الإستيطان أو في مجال محاولة التنصل من فكرة إقامة الدولة الفلسطينية.