أكدرئيس أساقفة بيروت المارونية ​بولس مطر​، أنه يوليأهمّيةً كبيرة للاستحقاق النيابي المقبل عليه لبنان، معتبرا أن "الأهم بعد تمرير الاستحقاق النيابي، التوجّه متى توافرَت الإمكانيات للبحث لتعديله، نظراً إلى أنه بدأت تتكشّف معالمُ شوائبِه، وأنه حتى الآن ليس الأفضلَ لجهة تشكيل اللوائح"، موضحاً: "يفترض القانون النسبي أن تتشكّل اللوائح من حزبٍ واحد، ولكن في لبنان ضمن الـ 15 دائرة يختلف تعاطي الأحزاب فيما بينها بحسب ظروفها وحساباتها، فما نراه مجرّد تسويات آنيّة لضمان الوصول، وهذا ما يُعيق عملية تطوير الأفكار وتنفيذ المشاريع في ما بعد"، مشيراً إلى أنّ "الصوت التفضيلي حوَّل مرشّحي اللائحة الواحدة إلى أخصام في ما بينهم".

واعتبر مطر في حديث لصحيفة "الجمهورية" أن "تنافس 77 لائحة ليس مؤشرا صحّيا لوجود الديمقراطية"، منتقداً الآليّة التي رافقت عملية تشكيل اللوائح، قائلاً: "تُفرَض لوائح على المواطنين لا رأيَ لهم فيها ولم تُشكّل على أساس حزبي، ولا على أساس برنامج أو مشروع متكامل يَجمع أعضاءَها". وأضاف: "لا شكّ في أنّ مبدأ ​الانتخابات​ محكوم برابحٍ وخاسر، ولكنّ البعض تعمَّد إلغاءَ الآخَر، فهذا مبدأ مرفوض تماماً".

وأعرب عن أسفه لـ"لتحوُّلِ لبنان تدريجاً إلى بلد التسويات، فكِل "مين طِلع ع بالو ترشّح"، من يُحاسب من؟"، مشيرا الى أن "النوّاب الجُدد غير معروفين، وحتى بعض النوّاب الحاليين لم نشعر بمرورهم في الندوة البرلمانية".

وسأل: "هل مِن بين المرشحين مَن وجَد حلاً لمسألة ​النفايات​؟ هل مَن أزاحَ عن كاهل الأهالي عبءَ الأقساط؟ هل من فكَّر في ​الدين العام​؟ ماذا عن ​الكهرباء​ التي تلعب بأعصاب المواطنين؟ هل من فكّرَ بهم ضِمن البرامج الانتخابية؟ نتلمّس إصراراً على الوصول إلى السلطة بأيّ وسيلة والاستحواذِ على أكبر عددٍ مِن النواب للمضيّ قدُماً في السيطرة على الوضع، من دون أفكار وبرامج فعلية ومشاريع للوطن"، معتبرا أنه "لا شكّ في أنّ الترشيح حرّ، ولكنّ الناس في حاجة لمعرفة إلى أين سيقودهم هؤلاء المرشّحون، ف​المجلس النيابي​ في الأساس دورُه التشريع، ومِن بين 128 نائباً أغلبُهم باتوا رجالَ أعمال، قلّةٌ أطبّاءُ ومحامون، ومشرّعون، "بالكاد نجد 10 أو 15 شخصاً يفهمون بالتشريع، معقول !". وتابع: "فلنُحصِ كم نائباً أصدر كتاباً أو أعدَّ دراسةً اقتصادية أو رَسم استراتيجية للمنطقة. إذا كانوا غيرَ مستعدّين للمسؤولية المقبلين عليها، لوَين جايين؟".

وأضاف: "أتعجّب لوجود أشخاص إلى هذا الحد يمكن شراؤهم، وكيف هناك من يشترون؟ هذا مؤسف، في بلدان العالم لا نصادفه، فالديمقراطية في الخارج تختلف عمّا نُعاصره في لبنان"، مشيرا الى "أننا لا نريد أن نَلعنَ الظلام بل أن نضيء شمعةً، ولكن لا شيء يبرّر عملية شراء الأصوات. وكلّ من باع صوتَه، فليسأل نفسَه هل حُلّت مشكلتُه؟".

ولفت الى أن "المعارك الانتخابية تتركّز في الأقضية أو المناطق ​المسيحية​ فقط. المعارك الانتخابية على الجهات كافة، على سبيل المثال، لدى إخواننا السُنّة صراع في الشمال، في ​طرابلس​، وبيروت الثانية، وصراع في عكّار، و​البقاع الغربي​، وصيدا، وعلى المستوى الدرزي وغيرهم". وأضاف: "ربّما المعارك تأخذ طابعاً آخَر لدى المسيحيين لأنّهم اعتادوا على الحرّيات وعلى غياب الأحادية المسيحية، ولكن للأسف يمارسون أكثرَ مِن اللزوم "تكسيرَ بعضهم البعض"، وهناك خوفٌ من سقوط رؤوسٍ مِش لازم تسقط ووصولِ أشخاص منُن خَرج".

وتوجّه مطر إلى كلّ مسيحي قائلا: "لا تُرتَهنوا لأحد، فالمسيحي رَجل وحدة وتوحيد. للأسف أنّ المسيحيين يُضحّون في قضايا كبيرة فقط لمجرّد ضمانِ وصولهم، لذا أتمنّى عليهم أن يكونوا مِقدامين، ولا معنى لإلغاء الآخر. لذا إعملوا على أسسٍ، على برامج، وليس من منطلق الغالب والمغلوب أو "طاحِن ومطحون، الدِني مِش هيك بتكون"، الديمقراطية أكثرية رأي وليست أكثرية طوائف"، داعياً الجميعَ إلى الاقتراع: "التصويت واجب، حتى لو وضَع المرء ورقةً بيضاء، لا بدّ مِن تسجيلِ فِعلِ حضور، بوسعِه الاعتراضُ على أشخاص، ولكنْ مِن غير المنطق أن يُلازمَ منزله ويغفلَ عن مسؤوليته تجاه وطنِه".

وللمرشّحين توجّه بالقول: "مَن يَعجز عن خدمة وطنِه وأبنائه "شو جايي يعمِل؟"، لبنان رسالة حوار ومنارة للشرق، المتطرّفون الذين لا يقبَلون أيَّ لقاء مع الآخر "شو جايين يَعملو؟". وأضاف: "سبقَ وقال ​البابا​ يوحنا بولس الثاني: لبنان رسالة؛ فمن سيحمل هذه الرسالة؟ شعب لبنان برُمّتِه بمسؤوليه ووساكِنيه".

وحيالَ ما تشهده المنطقة من معارك، رأى مطر أنّ "المصيبة الأكبر هي في الصراع السنّي الشيعي في المنطقة، والذي يكاد يَطغي على ثروات العرب والمسلمين ضدّ بعضهم، ويتيحُ للدول الكبرى أن تستفيد مِن الوضع لتبيعَ السلاح، سواءٌ ​روسيا​، أو ​أميركا​ أو ​أوروبا​، هذا عوَضاً عن محاولة إرساء مبدأ الصلح بين الناس". داعلا اللبنانيين لينظروا إلى "ميزةِ بلدِهم التي تضمّ السنّي والشيعي والمسيحي، ويحافظوا على وطنِهم وقيَمه وحرّياته وديمقراطيته، من دون الارتهان لأيّ قوى، بل أن يتّحدوا ليؤثّروا في منطقتهم".