على الرغم من إدعاء بعض القوى السياسيّة أنّها من ضُمن الرابحين في الإنتخابات النيابيّة، فإنّ الأرقام والوقائع واضحة لجهة الدلالة على الفائزين الفعليّين والخاسرين الحقيقيّين. وإذا كان من حسنة ل​قانون الإنتخابات​ الذي إعتمد في الدورة النيابيّة الأخيرة في لبنان، فهي تتمثّل في إظهار القُوّة التجييريّة الحزبيّة لمُختلف القُوى، وفي كشف قُوّة أو ضعف بعض الشخصيّات. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

بالنسبة إلى "تيّار المُستقبل" الذي رفض بداية الإقرار بالخسارة، فإنّ الإستقالات والتغييرات القياديّة التي جرت في الساعات القليلة الماضية، تعكس إقرارًا ضُمنيًا بفشل الماكينة الإنتخابية من الحدّ من الخسائر التي كانت مُتوقّعة بعد الإنتقال من القانون الأكثري إلى النسبي. والضربات الإنتخابيّة التي لحقت بالمُستقبل بيّنت تراجع شعبيّته ونُفوذه، على الرغم من أنّه لا يزال في المركز الطليعي على مُستوى الطائفة السنّية. وباستثناء دائرة عكّار التي بقيت الحصن الأبرز للتيّار الأزرق، فإنّ الكثير من الأمثلة جاءت مُعبّرة عن التراجع، مثل تقلّص نسب التصويت السنّي في بعض الدوائر، وتراجع القُوّة التجييريّة لتيّار المُستقبل في دوائر أخرى. وحتى في حال التوقّف عند نتائج كل من المدن الكُبرى بيروت وطرابلس وصيدا، فإنّ التراجع واضح. وفي هذا السياق، برز فوز النائب بهيّة الحريري بمجموع 13739 صوتًا تفضيليًا، إلى جانب زميلها المُرشّح حسن شمس الدين الذي نال 1026 صوتًا فقط، في مُقابل نيل المُرشّح الفائز ​أسامة سعد​ 9880 صوتًا مثلاً. وفي بيروت الثانية نال رئيس الحُكومة ​سعد الحريري​ 20751 صوتًا تفضيليًا، من أصل 51733 صوتًا نالها المرشّحون السنّة الستة على اللائحة، في مُقابل 13018 للمرشّح السني الفائز على لائحة "وحدة بيروت" عدنان طرابلسي، و11346 صوتًا للمرشّح السنّي الفائز على لائحة "لبنان حرزان" فؤاد مخزومي. وفي دائرة "طرابلس الضنية المنية" حيث نال المُستقبل 5 مقاعد، في مقابل 4 للائحة "العزم" ومقعدين للائحة "الكرامة الوطنيّة" المُنافسة أيضًا، برز فوز رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ بمجموع 21300 صوت، والمرشّح جهاد الصمد بمجموع 11897 عن الضنية، بينما نجح مرشّح واحد على لائحة المُستقبل بتجاوز عتبة العشرة آلاف صوت، وهو عثمان علم الدين الذي نال 10221 صوتًا عن المنية.

بالإنتقال إلى حزب "الكتائب" فإنّ مُرشّحيه الحزبيّين على مُستوى كل الدوائر جمعوا نحو 30000 صوت تفضيلي فقط لا غير، علمًا أنّ الجزء الأكبر من هذه الأصوات تركّز في دائرة المتن بما تحمله هذه المنطقة من إرث سياسي للكتائب، حيث نال النائب سامي الجميل 13968 صوتًا تفضيليًا، والمرشّح الكتائبي الفائز إلياس حنكش 3583 صوتًا تفضيليًا، وجزء صغير من هذه الأصوات جاء من بيروت الأولى بما يحمله النائب نديم بشير الجميل من إرث رمزي أيضًا مكّنه من جمع 4096 صوتًا تفضيليًا. وكان لافتًا مثلاً حُصول النائب إيلي ماروني على 1213 صوتًا فقط في زحلة، والنائب سامر جورج سعادة على 2470 صوتًا في البترون، والنائب شاكر سلامة على 2239 صوتًا في كسروان، ما أسفر عن سقوطهم جميعًا. ولم تكن الأرقام التي حقّقها مُرشّحو الكتائب في كل من بعبدا والشوف عاليه وجزين أفضل على الإطلاق، بل أظهرت ضعفًا كبيرًا في هذه الدوائر.

في ما خصّ الحزب "القومي" وبإستثناء دائرة الكورة حيث نال مرشّح "القومي" سليم سعاده 5263 صوتًا، فإنّ مرشّح الحزب في المتن غسان الأشقر نال 2757 صوًا، والمرشّح الآخر ميلاد السبعلي نال 446 صوتًا، وحتى لو إحتسبت المرشّحة كورين الأشقر على القوميّين، فإنّ النتيجة لن تتغيّر حيث نالت 696 صوتًا. وفي عكار نال مرشّح القومي إميل عبود 4915 صوتًا، بينما في زحلة نال مرشّح "القومي" ناصيف التيني 528 صوتًا فقط. وحتى في الكورة حيث حافظ الحزب "القومي" على جزء من "أمجاد الماضي"–إذا جاز التعبير، فإنّ مرشّح حزب "القوّات" النائب فادي كرم حلّ في المرتبة الأولى مُتقدمًا على كل مُنافسيه، ونال 7822 صوتًا تفضيليًا، لكنّه خسر لأنّ اللائحة التي يترشّح ضُمنها نالت مقاعدها الثلاثة ولم تنجح في تأمين "الكسر الأعلى" للفوز "بالحاصل الرابع".

ومن ضُمن الأحزاب التي أظهرت الإنتخابات النيابيّة ضعفها الشعبي والتمثيلي، الحزب "الديمقراطي اللبناني" حيث نال النائب طلال أرسلان 7887 صوتًا تفضيليًا ليفوز بالمقعد الدرزي الثاني في قضاء عاليه والذي تركه الحزب "الإشتراكي" فارغًا على لائحته، علمًا أنّ مرشّح "الإشتراكي" النائب أكرم شهيّب نال نحو 14088 صوتًا، والمرشّح الماروني هنري حلو الذي جرى تجيير أصوات درزيّة–إشتراكيّة عدّة له نال 7894 صوتًا.

وبالنسبة إلى حزب "الطاشناق" فقد نال أمينه العام النائب هاغوب بقرادونيان 7179 صوتًا تفضيليًا فقط في المتن حيث بلغ الحاصل الإنتخابي المطلوب للفوز 10671 صوتًا، وذلك بعد تجيير جزء صغير من أصوات الطاشناق إلى النائب ميشال المرّ، بحيث جاء فوز بقرادونيان بدعم من أصوات "التيّار الوطني الحُرّ". وفي بيروت الأولى جمع مرشّحو الطاشناق الثلاثة ما مجموعه 6544 صوتًا تفضيليًا فقط، وفوز "الطاشناق" بمقعدين جاء بمُساعدة من "التيّار" ومن أصوات مرشّحين حُلفاء على اللائحة نفسها، ومنهم مسعود الأشقر الذي نال 3762 صوتًا وخسر، على سبيل المثال لا الحصر.

وفي ما خصّ الشخصيّات التي إحُتسبت من حصّة ما يُسمّى "المُجتمع المدني"، ومنها إنضوى ضُمن حزب سبعة الناشئ، فإنّ فوز المُرشّحة بوليت يعقوبيان بمجموع 2500 صوت تفضيلي، هو الإستثناء الوحيد، حيث خسر كل مُرشّحي هذه القوى الذين كانوا موزّعين بلائحة أو لائحتين على مُختلف الدوائر الإنتخابيّة. وجاءت أصوات الأغلبيّة الساحقة من هؤلاء لا المرشّحين والمرشّحات هزيلة وتُقدّر ببضع مئات من الأصوات، بحيث صار جمع أكثر من ألف صوت تفضيلي هو الإستثناء، وقد نجحت فيه يعقوبيان التي فازت في بيروت الأولى وبينما لم تُساعد هذه المُعادلة المرشّحة غادة عيد في الشوف وعاليه علمًا أنّها نالت 2094 صوتًا تفضيليًا.