لا يختلف إثنان أن أداء الرئيس ​سعد الحريري​ في مرحلة ما بعد احتجازه في ​السعودية​ في تشرين الثاني الفائت، ليس كما كان قبلها، خصوصاً بعدما التمس وجود مؤامرة عليه من بعض المزايدين في المواقف العدائية تجاه محور ​المقاومة​. فقد أقصى الحريري ما يسمّى بـ "صقور المستقبل" عن ​الانتخابات​ النيابية الأخيرة، كالرئيس ​فؤاد السنيورة​، والنواب: ​خالد الضاهر​، ​أحمد فتفت​ و​معين المرعبي​.

واستمرّ زعيم "المستقبل" بتبنّي ترشيح الوزير والنائب ​محمد كبارة​ عن دائرة ​طرابلس​، على رغم أنه حاول أن يخرج عن قرار الحريري، عندما رشح نجله كريم الى الاستحقاق البرلماني، ثم سُحب ترشيحه، وأعيد اعتماد الأب، بعد سلسلة اتصالات، وممارسة ضغوط من رئيس الوزراء على وزير العمل في حكومته، أفضت الى تكريس ترشيح الأخير.

ومعلوم أن كبارة هو نائب منتخب عن طرابلس منذ العام 1992 ولم يرسب في أي دورة انتخابات، وهو منضوي اليوم تحت لواء التيار الأزرق، ولكن لديه حيثية شعبية خاصة به، وله تأييد واسع في الشارع الطرابلسي، بحسب ما أظهرت صناديق الاقتراع أخيراً. وهذه الحالة دفعت كبارة لأن يكون متمايزاً بعض الشيء في أدائه عن زملائه في كتلة "المستقبل"، ولذا حاول فرض بعض الأمور على رئيسه، كترشيح ابنه، فاستوعبه الحريري على مضض، ولم يتصادم معه قبل إجراء الانتخابات، لأنه كان يدرك تمام المعرفة، تراجع شعبية "الأزرق" في الشارع الطرابلسي والشمالي، والدليل أن لائحته لم تحصد سوى خمسة مقاعد من أصل أحد عشر في دائرة طرابلس- المنية- الضنية، بعدما كان يحتكر تمثيلها تقريباً، وجاءت النتيجة مخيبة لآمال رئيس الحكومة الذي سعى بكل قدارته وسلطته وجولاته في مختلف مناطقها لاستنهاض شارعها، ولكن لم تأت خواتيم الأمور كما كان يشتهي.

وإثر صدور نتائج الانتخابات، ليس في دائرة طرابلس فحسب، بل على مستوى لبنان، أقصى زعيم التيار الأزرق عدداً كبيراً من المسؤولين في الماكينة الانتخابية ومسؤولي التواصل مع الأحزاب، بتهمة إساءة الأمانة والتقصير بواجباتهم.

ولا شك أن ما أقدم عليه الحريري، يؤشر الى أنه ماضٍ في عملية تعزيز سلطته، والتي بدأ فيها قبل الانتخابات، عندما أبعد "الصقور" عنها، وكذلك في شدّ أزر تياره، بعدما حصد معارضة أكثر من ثلث التمثيل السني في البرلمان العتيد.

ومن البديهي أن أداء رئيس الحكومة في مرحلة ما بعد الاستحقاق النيابي، لن يكون كما كان قبلها أيضاً، بدليل أنه يحاسب الذين ارتكبوا إخفاقات خلال المرحلة الانتخابية، أو حاولوا الخروج عن سلطته، كالنائب كبارة، فلم يعد يسمح الحريري بتعدّد الرؤوس في بيته الداخلي.

وجاءت حوادث طرابلس في الأيام الفائتة وسط هذه الأجواء. فتعرّض ​الجيش اللبناني​ ل​إطلاق نار​ من جماعات مسلحة، بينما كان يقوم بمداهمات بحثاً عن مطلوبين، في ظل اتهامات محلية لمسلحين محسوبين على كبارة الذي نفى توفير الغطاء لكل من يطلق النار على الجيش، مؤكداً أن أحداً من هؤلاء لا يختبئ في مكتبه، بينما كانت تدور المواجهة قربه، وسط معلومات أن ​إطلاق النار​ طاول المكتب عينه، ما يؤكد وجود ضوء أخضر سياسي بذلك.

فهل شكّلت الحوادث المذكورة مناسبة لتوجيه رسالة من رئيس السلطة الثالثة والتنفيذية الفعلية، الى كبارة، بأن الخروج عن طاعة "الزعيم" دونه أثمان مكلفة؟، رسالة مفادها: إحذر أيها النائب الطرابلسي!