لم يأخذ انسحاب واشنطن من ​الاتفاق النووي​ وقتاً طويلاً حتى يُخرج ما في جعبته من نتائج، بدأت ملامحها تتظه رمع قائمة مطالب ​وزارة الخارجية الاميركية​ بحق ايران، كان عرضها مؤخراً وزيرها ​مايك بومبيو​، ساحباً من خلالها كرسي التفاوض من تحت طهران، وموسّعا بيكار اتهامها ليطال دورها ونفوذها في دول المنطقة انطلاقاً من لبنان الى سوريا والى العراق فاليمن وغيرها، واشتراط التخلي عن هذا الدور تحت طائلة فرض "أشد عقوبات في التاريخ".

لاشك في أن طهران سعت جاهدة في مرحلة التفاوض السابقة لولادة الاتفاق النووي الى عدم ادخال ملفات المنطقة المأزومة في "بازار" التفاوض النووي، لادراكها التأثيرات السلبية لذلك على حرية حراكها وتوجيه نفوذها في دول المنطقة، ولادراكها في الوقت عينه الى حاجتها لجعل مصادر الاتفاق السند الاقتصادي الداعم لحراكها هذا.

اما اليوم وفي ظل الشروط الاميركية النووية والسياسية المستجدة فيبدو أن دائرة خناقها لن تنحصر بالجانب الايراني، وانما يبدو انها ستتعداها الى دول اخرى، أي الدول الفاتحة ابوابها لايران وحلفائها، في حال استمرت الاخيرة في توفير المساحة الخصبة لتناميها وتوسيع نفوذها وبسط سيطرتها على مقوّمات الدول. قد يكون اللاعب الروسي الاسرع في تلقف التهديدات الاميركية، وقد جاءت الترجمات من خلال زيارة الرئيس السوري ​بشار الاسد​ وتصريح الرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ بحضور الأوّل بأن التسوية السورية السياسية في سوريا يجب أن تشجع الدول الاجنبية على سحب قواتها، أعقب ذلك توضيح من قبل مبعوث بوتين الى سوريا الكسندر لافرينتييف حول بيان الرئيس بأنه كان موجهاً الى الولايات المتحدة وتركيا الى جانب ايران و"​حزب الله​".

لاشك في أن المطّلع على التصريحات الايرانية الاخيرة يدرك أنها في وضع داخلي مأزوم جدا، فضحه طلب وزير خارجيتها محمد جواد ظريف من الدول الاوروبية تقديم ضمانات توفر لايران "مُونة" اقتصادية كشرط لدخول المفاوضات من دون المساس بالخطوط الحمر مستخدما بذلك تلك الدول درعا في مواجهته الباردة. ربما قد ينجح النفس الايراني الاقتصادي من البقاء صامداً فترة لا بأس بها امام الضغوط الاميركية، الا أن المعطيات تشير الى أنه قد يكون لقائمة الشروط الاميركية تتمة قد تطال النظام الايراني واحداث تغيّر مساره، وهذا ما عبّر عنه وزير الخارجية الاميركي بامبيو بقوله "على الشعب الايراني اختيار نوع القيادة التي يريدها"، تبعه ترحيب من الناطقة باسم الخارجية الاميركية "بحقبة جديدة في طهران".

في المقابل برزت مساعٍ اسرائيلية من نوع آخر لدى الادارة الاميركية للاعتراف بسيادتها على الجولان المحتل بقصد تحقيق مزيد من الضغوط على ايران لتحقيق انسحابها من سوريا. وفي هذا الاطار قدم عضو الكونغرس الجمهوري رون دسانتس مقترح قانون الا أن البيت الابيض لم يردّ بعد على المقترح على حد ما نقلته احدى المواقع الاعلامية.

أمام هذا الواقع، يبدو أن المنطقة امام مزيد من التصعيد الدبلوماسي، سيضع عدداً من دولها على المحك وعلى رأسها لبنان، خاصة في حال لم تتمكن الحكومة الجديدة من استيعاب الشروط الاميركية وتهديداتها، وبالتالي لجم حراك "حزب الله" في المنطقة ودعوته للانسحاب من سوريا تطبيقا لالتزامها بتطبيق سياسة النأي بالنفس.