حتى الساعة، لا مسوّدة تشكيلة حكومية قدّمها رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​. العملية تقتصر على مشاورات يجريها مع القوى السياسية، من دون تقديم تصوّر عملي. يكتفي الحريري بالإشارات الايجابية، والحديث أنه "داعس بنزين". لكن الطريق الحكومي لا يزال غير معبّد أمام عملية التأليف.

منطقياً، للحريري مصلحة بإستيلاد سريع للحكومة، هذا يعني أن هناك من يمنع تعبيد الطريق. لكن لماذا يتأخر بتقديم مسوّدة، طالما أنه لمّح إلى وجود قاعدة تستند الى الحكومة الحالية في عملية التأليف؟ هل هي حصص وشروط القوى السياسية؟ لا بدّ أن هناك عقبات تؤخر الولادة، لكن القوى جميعها تؤكد أن الرئيس المكلّف لم يعرض عليها، لا بالجملة، ولا بالمفرّق، حقائب، ولا سيناريو، أو صيغة حكومية، لا ناقصة، ولا كاملة. ما يعني أن التأليف لا يزال في يد الحريري وحده. هو يستمهل العرض الجدّي المكتوب.

الاسباب المتوقّعة لتأخر خطوة الحريري، تتراوح بين إفتراضات عدة:

إمّا يستمهل الحريري توزيع الحقائب، بإنتظار تخفيف الكتل السياسية من شروطها العالية، وتخفيض السقوف الوزارية المرتفعة. فيأتي تأخر الحريري مقصوداً لفرض التنازل أو التواضع عند مختلف القوى.

إمّا يترقّب الحريري كلاماً سعوديّاً لم يصله، حول التعاطي المطلوب مع القوى السنّية في الحكومة ال​لبنان​ية: إبعاد أو إشراك ممثلي رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​، أو "​8 آذار​". وإستطلاع الرأي الخارجي، وخصوصا السعودي، بالنسبة الى "القوات"، في ظل مطالبة رئيس الحزب ​سمير جعجع​ بحقائب حكومية وحجم يتناسب مع قوته التمثيلية. هنا يواجه الحريري الإرباك الأساسي بوجود رفض برتقالي للمطالب القواتيّة. هي عقدة القوى المسيحية الأساسية، التي يصفها المراقبون بالأشد صعوبة.

بجميع الأحوال، لا يزال الحريري في مساحة الزمن الطبيعي لتأليف حكومته، لكن الاوضاع الإقتصادية والمالية الخطيرة تستوجب السرعة، لا التمثّل بخطوات التأليف التي كان يشهدها لبنان عادة، وتمتد أحياناً الى مسافة أشهر.

إن التأخير هذه المرة سيصيب العهد أيضاً، الذي كان وعد بحكومة على قدر طموحات اللبنانيين. وفي حال التأخر، سيُصاب اللبنانيون بخيبة أمل كبيرة يعززها التدهور الاقتصادي الحاصل.

كل الإجتماعات التي يُجريها القيّمون على الاوضاع المالية والاقتصادية، تروي قصص البطالة التي تزداد، والمؤسسات التجارية التي تُقفل أبوابها، والشركات التي تنهار ماليا وتُعلن الإفلاس، وخصوصا في القطاع العقاري. تلك الازمات تتدرج وتطال المواطنين الباحثين عن عمل وآمان. لا يعني ذلك السوداوية المطلقة، بل وجوب الانتباه والإسراع بخطوات الحل التي تبدأ بتأليف حكومي، والتفرغ للتخطيط، وإعادة الثقة الى اللبنانيين والعواصم الخارجية، ببلد يترقب عودة السيّاح إليه الصيف الآتي بعد أيام. لا توحي حجوزات عيد الفطر في الفنادق بموسم عامر. لكن الاعلان عن الحكومة، سيعني الاستقرار السياسي، وسيجذب السيّاح سريعاً.

خصوصاً ان لبنان آمن، والمواطنون توّاقون لإستقبال موسم سياحي، لا ينقصه سوى خطوات التأليف الحكومي، والإنطلاق نحو العمل.

تلك المعادلات هي مطلب الحريري نفسه، لكن تأخرّه في تقديم مسوّدة، والإسراع في الولادة الحكومية، يعني وجود افتراضات ذكرناها، الاّ إذا فاجأ رئيس الحكومة المكلّف كلَّ القوى، وترجم كلامه عن "دعس البنزين".

تعبيد الطريق الحكومي يبدأ من بيت الوسط، بكل الاتجاهات، قبل العودة الى ​السراي الحكومي​. الحريري قادر على إنجاز المهمة، كما علمتنا التجارب.