في حدث تاريخي لم يحصل مسبقا في ​إيران​، أقفل بازار ​طهران​ أبوابه امام زواره، وأنطلقت منه تظاهرات شعبية معارضة للسياسة الاقتصادية في البلاد. كذلك شهدت شوارع طهران تجمعات واعتصامات ترفع الشعارات نفسها، فالوضع الاقتصادي ال​ايران​ي يعيش مرحلة صعبة للغاية.

شهِدت العملة الإيرانية هبوطا قياسيا إلى أدنى مستوياتها أمام ​الدولار​ الأميركي والعملات الأجنبية، إذ تخطى سعر الدولار الأميركي في الأسواق الإيرانية 9000 تومان، مسجلا أعلى نسبة انهيار في تاريخ العملة الإيرانية، مقابل الدولار، مع العلم أنها لم تشهد انهيارا حادا بهذا الحجم حتى في ظل وجود العقوبات الدولية القاسية في عهد الرئيس الإيراني الأسبق ​محمود احمدي نجاد​.

لم يكن بازار إيران المكان الوحيد الذي أٌقفل أبوابه أمام الزوار، فالعديد من الأسواق والمحلات أقفلت إحتجاجاً على ما وصلت إليه أحوال الايرانيين. ويبدو من خلال الشعارات المرفوعة خلال الاعتصامات أن الايرانيين ليسوا بعيدين عن السياسة، اذ حملت الشعارات مطالبات صريحة للحكومة الإيرانية بـ"التوقف عن التلهّي بما يحصل في ​سوريا​ والتركيز على الوضع الداخلي".

في سياق آخر، تناقلت بعض وسائل الاعلام الايرانية، أن زعيم الاصلاحيين في ايران والرئيس السابق ​محمد خاتمي​ قد تلقى رسالة من جماعاته، تمنوا عليه الضغط على القيادة الايرانية للبدء بمفاوضات مع الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ بعد الانهيار الاقتصادي الذي تشهده الأسواق، فهل تدخل إيران في مرحلة تحركات شعبيّة جديدة تحمل في طيّاتها اهدافا سياسية لطالما أعلنت ​الولايات المتحدة الأميركية​ دعمها؟.

تعلم ​الحكومة الإيرانية​ أن التحركات الشعبية تشكّل "وسيلة" جاذبة لأصحاب المشاريع المعادية لطهران، وسبق لها أن عايشت هذا الأمر في تحركات شعبية سابقة، اذ تقوم جهّات داخلية معارضة أو خارجية بالدخول على خط المطالب الشعبية، لتعكير الأجواء الأمنية، لذلك تتعامل ​الحكومة الايرانية​ مع التحركات من هذا المنطلق، الا أن ذلك لا يعني أن البلاد لا تعاني من واقع اقتصادي قاتم قد يتطور الى الأسوأ ما لم يتم اجتراح الحلول بسرعة.

في هذا السياق يؤكد الباحث في الشؤون الايرانية علاء حسن أن جزءا كبيرا من التحركات الشعبية يحمل الطابع المطلبيّ، رغم أن بعض الشعارات التي تُرفع تقود الى مكان آخر، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن طهران تعاني من أزمة اقتصادية صعبة جدا نتيجة الضغوطات العالميّة عليها.

يرى اقتصاديون ايرانيون أن الوضع الاقتصادي لن يسوء أكثر نتيجة تعامل ايران بالعملة المحليّة وعدم حاجتها للاستيراد بالعملات الأجنبية وتحديدا الدولار، الا أن هذا الكلام ليس دقيقا، فبحسب حسن تستورد إيران قسما من الفيول ومن الادوية ومن المواد الغذائية، وهي وإن كان لديها اكتفاء ذاتيا من ​القمح​ الا أنها تستورد قسما من اللحوم والخضار، ما يعني أن انهيار العملة امام الدولار سيؤثر بنسبة كبيرة على أسعار السوق.

ويضيف حسن: "يتجه الوضع الاقتصادي الى الأسوأ بحال لم تجد الحكومة الايرانية حلولا نوعيّة، ولعل ذلك سيتحقق خلال شهر تشرين الثاني موعد خروج شركة توتال من ايران ويسبقها تخفيف الكميات النفطية التي تستوردها ​الهند​ منها، اذ من المتوقع أن يصل سعر صرف الدولار الواحد الى 12 ألف تومان"، مشيرا الى أن الصناعات الايرانية وتحديدا السيارات والادوات المنزلية تأثرت أيضا وارتفع ثمنها في السوق.

لا يستبعد حسن فكرة أن يكون الضغط هدفه على المدى القريب إرغامها على التوقيع على الاتفاقية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهابFATF ، الأمر الذي يعني الحد من هامش التحرك للحرس الثوري الإيراني حتى في الداخل الإيراني. مع العلم أن هذه الإتفاقية قد سببت إشكالية سياسية في إيران منذ عامين عندما صادقت عليها حكومة الرئيس ​حسن روحاني​.

والجدير بالذكر أن المصرف المركزي قد أعلن أن اسعار الالبان واللحوم والخضار في ايران زادت عن العام الماضي وفق النسب التالية: الالبان 11.2%، البيض 55.3%، الفواكه 37.3%، اللحم الاحمر 21.6 والدجاج 10.6% والزيت النباتي 8.2%.

فهل تنهار العملة الإيرانية امام الضغوط الخارجية أم ستنجح الحكومة باستيعاب الهبوط الاخير وتسيير الأمور مجددا على الطريق السليم؟.