تضج الانباء الدولية عن اللقاء المرتقب بين الرئيسين الاميركي ​دونالد ترامب​ والروسي ​فلاديمير بوتين​، نظراً الى العلاقة المتردّية بين البلدين من جهة، والقويّة بينهما على الصعيد الشخصي من جهة ثانية. ففي خضم التصعيد الدبلوماسي والسياسي بين ​اميركا​ و​روسيا​ في الفترة الاخيرة، لم يصدر عن اي من الرئيسين كلاماً مؤذياً او لاذعاً او انتقاداً قاسياً بحق الآخر. هذا الامر ان دلّ على شيء، فعلى ان العلاقة الشخصية متينة وهو امر غير مخفيّ منذ ما قبل الانتخابات الرئاسيّة الاميركيّة، انما الضغط الاميركي الرافض لفكرة استلام روسيا دور الاتحاد السوفياتي سابقاً، ألزم ترامب على اتخاذ مواقف قد لا يحبذها ولكنه مضطر للحفاظ على وضعه.

ولكن هل يعني لقاء الرئيسين انهاء للوضع القائم حالياً بين البلدين؟ بالطبع لا، فالتراكمات التي حملتها الاحداث والتطورات منذ انتخاب ترامب حتى اليوم، كفيلة بتبديد اي توقع او تصوّر بعودة العلاقات الى ما كانت عليه سابقاً، والتي كانت مهزوزة على عهد الرئيس السابق باراك اوباما، الا انها لم تكن مهددة بالتدهور السريع كما هي عليه اليوم. ويمكن القول ان الايجابية الوحيدة التي يحملها اللقاء، هي تخفيف الاحتقان والتوتر وتأكيد على ان العلاقة الشخصية بين الرئيسين كفيلة بتحديد سقف لتدهور العلاقة ومنعها من الوصول الى القطيعة او الى مرحلة "اللاعودة"، وهو امر غاية في الاهمية بالنسبة الى الطرفين معاً. فالولايات المتحدة، وعلى عكس الكثير من التوقعات، نجحت في البقاء حيّة من خلال عزل نفسها عن حلفائها واعدائها على حدّ سواء، فتفردت باتخاذ قرارات مصيرية في العالم دون الوقوف عند رأي الاوروبيين وغيرهم، كما انها انسحبت من العديد من المنظمات الدولية غير آبهة بالعواقب والتداعيات التي ستنجم عن ذلك. في المقابل، تعيش روسيا ظروفاً صعبة، وهي تحاول جاهدة احاطة نفسها بتحالفات ونسج علاقات اقوى مع الاوروبيين، فيما تعمل ايضا ًعلى ترسيخ تحالفها مع ​الصين​ وتقوية العلاقة مع ​تركيا​ و​ايران​ لتعزيز نفوذها في ​الشرق الاوسط​.

ومن المؤكد ان التنسيق العسكري و"التفاهم" الدبلوماسي حول عدد من الملفات في ​سوريا​ و​اوكرانيا​ وغيرها سيكون على طاولة اللقاء، ولو لم يتم الاتفاق بالكامل حول هذه المواضيع، الا ان الحد الادنى من التواصل سيبقى قائماً مخافة حصول اي سوء تفاهم او سوء تقدير، من شأنه ان يؤدي الى تصادم عسكري غير مقصود (تشابك في مسار الطائرات الحربية مثلاً...) او تصاعد في الخلاف الدبلوماسي. كما ان مسألة التدخل الروسي في الانتخابات الاميركية ستكون ايضاً طبقاً مهماً في اللقاء، مع كل ما يعنيه ذلك من احراج لترامب الذي سيجد نفسه محرجاً في الداخل الاميركي جراء هذه الخطوة، ولكن سلاحه الدفاعي سيكون انه عمد الى ارساء "شبكة امان" في العلاقة مع روسيا وهو امر يصب في مصلحته بالطبع، كما انه خارج من اتفاق مع كوريا الشمالية لم يكن احد يحلم بتحقيقه، ما يعطيه افضلية شعبية اميركية، ولا يهدد بفقدان عدد من مؤيديه لسبب او لآخر.

ووفق مسار الامور، فإن ترامب سيستغل علاقته الشخصية ببوتين للتعويض عن تردي العلاقات بين اميركا وروسيا، ولكن السؤال يبقى في ما اذا سيكون الرصيد الشخصي كافياً بعد ان يتم استهلاك قسم كبير منه بسبب اللقاء مع الرئيس الروسي، وما ستكون عليه نتائجه الذي لا يعلّق عليه الكثيرون آمالاً كبيرة، بل يعتبرونه اساسياً لابقاء الامور على حالها، كما ستكون الانظار متجهة الى بوتين لمعرفة ما يحمله في جعبته من معطيات سيطرحها لانقاذ العلاقة مع ترامب ومع الولايات المتحدة ايضاً.