لطالما تغنّى ​الشيعة​ في ​لبنان​، بأن جسمهم السياسي موحّد، منذ عقد الثنائي "​حزب الله​" و"​حركة امل​" الإتفاق بينهما، بعد "حرب الأخوة" في نهاية الثمانينات. يحمّل الفريقان ضمناً مسؤولية تلك الحرب لظروف قاهرة، ساهمت في إشعالها شخصية الأمين العام السابق للحزب الشيخ ​صبحي الطفيلي​، لكن دمشق وطهران ضبطتا الازمة الشيعية يومها، ورسّخها مع رئيس "أمل" ​نبيه بري​، السيد ​عباس الموسوي​ الذي تولّى منصب الأمانة العامة للحزب، قبل ان يزيد ايضاً من مستوى الانفتاح على التوافق الشيعي، الامين العام الذي حل بعد الموسوي، ​السيد حسن نصرالله​.

ترجم الفريقان الشيعيان التعاون والتنسيق، وأظهرا تماسكّاً عنيداً، لا زال قائما بينهما، وتبرآ من أي فرد منهما حاول أن يغرّد خارج السرب الثنائي، لا بل ألبسا كل معترض منهما على الترابط "ثوب الخيانة".

نجحت التجربة، التي قال الثنائي انها احبطت المشاريع الاسرائيلية للفصل بينهما ووصف نفسه بأنه يكمل بعضه الآخر، كما في تجربة حرب تموز عام 2006. فلم يخلُ من حينها حتى اليوم، خطاب لنصرالله من مديح لدور بري. ويقال ان علاقة خاصة، وود متبادل بين الرجلين، يحيط الترابط القائم بين الحزب والحركة، لدرجة انهما يظهران احيانا كجسم حزبي واحد.

لكن الإنقسام الآن، بدأ يتسلل الى الجسم الشيعي، كما ظهر خلال الساعات الماضية، عندما غرّد النائب ​جميل السيد​، منتقدا آداء "شيعة الدولة" إتجاه البقاع، بينما الاهتمام ينصّب على الجنوب، قاصداً "​حركة أمل​" تحديدا، ومحيّداً "شيعة المقاومة" أي "حزب الله". هذا ما إعتبره انصار الحركة عبر التواصل الاجتماعي خطاب فتنة بين الشيعة، بينما ذهب آخرون للقول: انه محاولة استعادة لزمن الثمانينات. لكن السيّد عاد وبرّر في تغريدات اخرى، انه يدعو فقط للاهتمام بالبقاع لا اكثر.

يعرف البقاعيون ان السيّد يتصرّف على أساس انه "مشروع زعيم" للبقاع، بمعزل عن الحزب والحركة اللذين اختزلا التمثيل السياسي للشيعة منذ عقود. لكن انصار الحزب يعتبرون في مجالسهم ان أصواتهم "هي التي اوصلت السيد الى ساحة النجمة"، فلولا "حزب الله" لا مكان للسيّد في المجلس النيابي ولا العمل السياسي. لا يقرّ المقرّبون من السيد بهذه المقولة، ويقولون ان المدير العام السابق للامن العام حصل على اصوات تفوق اصوات اي نائب.

هناك من يرى ان دمشق هي التي سمّت ودعمت السيد الذي يصنّف مرشحها في لبنان، والدلالة انه ورث مقعد "البعث" في بعلبك-الهرمل. غير ان السيّد ليس حزبياً، لكنه "نيو بعثي"، كما يُوحي البعثيون من خلال اهتمامهم به، بعدما رصّوا صفوفهم المبعثرة خلفه في الانتخابات النيابية، إثر انقسام بين قيادتهم في لبنان، وأتى السيد يلمّ شملهم، فوجدوا فيه ضالّتهم. كما ان السيّد استفاد من الأصوات الناقمة والمنتقدة لوضع المنطقة المهمل منذ زمن طويل. لذلك كلّه حصد الاصوات التفضيلية التي فاقت ٣٠ الف صوت.

في نهاية كل اسبوع، يستقبل السيّد زواره البقاعيين في ديوانه في أبلح-النبي أيلا. يرتاح معه البقاعيون، للمتابعة وبت الأمور العالقة. ويُحكى أنّه لم يستطع أحد لعب هذا الدور.

"الهالة" التي فرضها السيّد منذ كان في مناصبه الامنية، لا زالت موجودة، لكن البقاعيين لا يتذكّرون خدماته خلال مواقعه السابقة. وهذا كان عنوان انتقاده على التواصل الاجتماعي ردا على تغريداته الأخيرة.

يعرف السيد أن كلامه الأخير، عالي السقف، وقد يسبّب له مزيدا من الخلافات مع قيادة "حزب الله"، لكنه يدرك أن مواقفه تلقى صدى شعبياً واسعاً، فالمواطنون يرزحون تحت عبء الحرمان في البقاع. ماذا فعل المسؤولون لهذه المنطقة؟. أزمة المياه في معظم القرى العطشى، ومشكلة نهر الليطاني، نموذجان، وقد لا تكفي صفحات بتعداد باقي النماذج. يقول المواطنون في مجالسهم، ان البقاع محروم من المدراء العامين، ومن مراكز القرار في الوظائف.

فُتِحَت العيون على الوضع الأمني هناك بسبب التوتّر الحاصل والّذي تفاقم كثيرا مؤخّرًا، فيما اثارت تغريدات السيد ردوداً تمحورت حول الأمن والإنماء.

لن تمر تغريدات السيد مرورا عاديا، بل هي تفتح النقاش عن مسؤولية التقصير في البقاع.

كما ان مواقفه، تفتح في المجال للإنتقاد الحادّ لأداء البعض.

لذلك، بدأت ترتسم معالم مرحلة جديدة في الجسم الشيعي، تُحاكي ما يحصل في العراق. الفارق هذه المرة ان الثائر على الحزب والحركة هو نائب يلتزم بسياساتهم الاستراتيجية، ولن يستطيعا القول انه مدعوم من سفارات غربيّة او عواصم عربية لضرب الوحدة السياسية الشيعية. لا بل ان دعمه الوحيد هو من سوريا المشغولة بأحداثها، ولن تتدخل.

هل حصل الشرخ؟، ولن يستطيع أحد ضبطه بوجود التواصل الاجتماعي؟. هل هناك من يدخل على الخط سراً وعلناً؟.