هنّأ قائد معركة "​فجر الجرود​" العميد فادي داود ال​لبنان​يين في الذكرى الأولى للمعركة، من ​واشنطن​ مكان مهمّته ​الجديدة​ كملحق عسكري ديبلوماسي لدى ​الأمم المتحدة​ ، وردّ في حيث صحافي على سائليه عمّا إذا كان يُفضّل إحياءَ الذكرى والعيد مع الضباط في لبنان للتكريم، معتبرا "أن أوليس تكريماً تسمية دورة متخرّجي الكلية الحربية اليومَ الأول من آب 2018 بإسم "فجر الجرود"؟

وأبدي داود فخره لأنّ المعركة حقّقت أهدافها الثلاثة، وهي: هزيمة "داعش" في لبنان. كشف مصير ​المخطوفين العسكريين​ الشهداء وتحرير ​جرود رأس بعلبك​ و​القاع​ وإعادتها الى سلطة الدولة. يشعر داود بالعزة ليس لأنها المرة الأولى التي يقاتل فيها ​الجيش اللبناني​ على حدوده، بل لأنها المرة الأولى التي يقاتل فيها على حدوده ويحرّرها بسواعد جنوده وحدها، وهذه المعركة ستسجّل في تاريخ الجيش اللبناني شاء مَن شاء وأبى مَن أبى.

وأكّد أن "أعتى الجيوش عتاداً وعدداً لم تتمكّن من ​القضاء​ على تنظيم داعش، وقد لا يملك جيشنا مقوّمات العتاد والعدد، إنما لم تملك الجيوش الأخرى عزمه وعنفوانه ووطنيّته. فالمعركة لم تكن عسكرية فقط، لقد استعان فيها الضبّاط بقلوبهم وإيمانهم وتضافرت جهود اللبنانيين جميعاً في تحقيق النصر، وأنا واثق من أنّ دعاء الأمهات ودعم الشعب اللبناني كان لهما أيضاً الأثر الكبير في تحقيق النصر». ويضيف: «إذا استذكرنا منذ سنة كيف كرّمنا لبنان بكامله بعفوية صافية بعد عودة العسكر نلمس مدى محبتهم للجيش. فقد كرّم لبنان بكامله انتصارنا، إنما تكريمُنا في البقاع كان له وقع مميَّز وقد كان على قلوبنا الأجمل. فكُرّمنا في بعلبك ودير الأحمر وراس بعلبك والقاع وعرسال واللبوة وغوسطا وفي جبيل «بلدتي الحبيبة» وعيدمون، وعكار خزّان الجيش اللبناني.

وأشار داود الى ان "لا أشعر بأسى، بل أشعر بحزن على فراق الشهداء الذين سيخلّدهم تاريخ لبنان، كذلك أشعر بالأسى على مناطق الأطراف التي يشكّل فيها الفقر والإهمال أرضاً خصبة يمكن للإرهابيين استغلالها والبناء عليها. وأشعر بالأسى أيضاً على التنافر السياسي الذي يقزّم إنجازات دفعَ فيها العسكر اللبناني دماءً طاهرة لتحقيقها. وشدّد على انّ العمل العسكري يَتّسم بالسرّية وليس بالخفاء، أما إذا كانت هناك أسرار فهي أسرار دولة، وأسرار الدولة تُكشف بعد سنين ينصّ عليها القانون، منها 10 سنوات ومنها 20 ومنها أكثر. لكن ما يمكن الكشفُ عنه أنّ معركة "فجر الجرود" كانت قراراً شجاعاً، هذا القرار الشجاع لم تتكشّف خلفية شجاعته ولا أستطيع وصفَ حجم المعاناة والترقّب والصعوبة عند اتّخاذ قرار بدء المعركة، وكم كان هناك معنيّون ونافذون ومسؤولون أرادوا تجنّبَ المعركة ليس حبّاً بالارهابيين، بل خوفاً من بدء الجيش مهمّة لا تُعرف نهايتُها، وخوفاً من عدم قدرة الجيش على الحسم السريع. كذلك أستطيع الكشفَ عن شعور الضبّاط الذين كانوا يترقبون بشغف وحماسة إعلان قائد الجيش قرار بدء المعركة، فقد كان الجميع متحمّسين للقتال. ولطالما ردّد الضباط أمامي أنّ العسكر جاهزون للقتال ومتحمّسون لإنقاذ رفاقهم المختطفين لدى "داعش" وكشف مصيرهم. فالخوف هو أهون المخاطر التي نواجهها في المعركة، فهو غير موجود في حسابات العسكر وقاموسهم، خصوصاً عند الهجوم، حيثُ لا يترَدَّد أيٌّ من العسكريين في خوض الغمار. المخاوف قد تكون مخاوف من فشل المهمة أو عدم التوفيق في تحقيق الهدف أو من حجم الخسائر التي ستُدفع، وليس الخوف الجسدي. ومن أهم النقاط التي خفق لها قلبي اضطراباً.

وشرح قائد معركة فجر الجرود أن النهار الأول من المعركة، على رغم أنني كنتُ واثقاً من تحقيق النصر. لكن في لحظة من اللحظات خفق قلبي على الثمن الذي من الممكن أن ندفعه عندما اشتبكت إحدى مجموعاتنا المتقدمة وتعرّضت لإصابات عرقلت نسبة السرعة المفترَضة لتقدّمها، أو بالأحرى تباطؤ تقدّم قوانا. إنما لم أظهر علناً هذا القلق بالطبع، لثقتي الكاملة بأنّ الضباط والعسكريين الذين كانوا في تلك المهمة سيتجاوزون العرقلة لأنهم "قَدّها". أمّا الخفقة الثانية لقلبي فكانت في المرحلة الاخيرة للمعركة والتي كانت من أخطر المراحل في كل العملية، لكنّ العدوّ انسحب مع بدء الرمايات التمهيدية التي بدأت صباح الأحد الاخير لساعة الصفر تمهيداً للإنطلاق الساعة الخامسة في تحرير آخر نقطتين من الحدود اللبنانية «حليمة قارة»، وهي جبل علوّه 2400 متر، ووادي مرطبيّا، وكنّا نحضّر للمهاجمة من آخر موقع حرّرناه وهو على علوّ 1700 متر، وكانت المهمة على درجة عالية من الخطورة لأنّ النقطة مرتفعة، فهم يتمركزون في الأعالي وجنودنا مضطرّون للصعود مع آليّاتهم من الأسفل.

ورغم أنّ صيانة الآليات جيدة إنما هي قديمة العهد وسرعة سيرها محدودة في السهل، فكيف لو اتّجهت صعوداً وهي محمّلة سلاحاً وذخيرة، وتتنقّل من موقع الى موقع في طرق مكشوفة!! فحتى لو كانت الجرّافات تفتح الطريق وتسهّل سير الآليّات إنما تبقى الصعوبة واضحة في سير المهمة. وقد كانت تلك الحسابات من بين الأمور التي حَسبتُ جيداً وبدقة طريقة التعاطي معها، وكنتُ واثقاً من عزيمة العسكريين، وأصَبْت. وعن خفايا المعركة يُخبر أيضاً العميد داود عن ضابط شارَك في المعركة، وأثناء المهمّة وعند تواصلِه معه عبر الجهاز الحربي قال له: سيّدي العميد، أرجو منك الاعتناءَ بعائلتي إذا استشهدت، ووصيّتي أن تقول لزوجتي التي ستلِد في غيابي بأن تطلِق على ابني اسمَ جورج، لأنّني نذرتُه على اسمِ القدّيس مار جرجس فأجبته: «أنت مَن ستقول لها ذلك عند اللقاء وسنَفرح معاً بالنصر وبالمولود يا أبو جورج»، وهكذا كان. أمّا "أبو علي» فقد كان ابنُه حديثَ الولادة قبَيل المعركة وكان متحمّساً لرؤيته، فأكّدت له أنه سيَراه قريباً»... ويتابع داود أنه كان على تواصلٍ دائم مع الضبّاط كافة، لافتاً إلى أنّ أبو علي زفّ إليه أمس خبرَ ولادة شقيقةٍ لعلي كان قد «وصّى عليها» بُعَيد المعركة.

وكشف دواد ان خضتُ معارك عدة منها الضنّية والميّة وميّة وجبل الاربعين، ومعارك كثيرة أخرى، إنّما تبقى المعارك التي ذكرتُها هي الأدقّ والأصعب التي خطّت مسيرتي العسكرية، وأنا فخور بكلّ لحظاتها المؤلمة والمفرحة. أما معركة "فجر الجرود" فلديها ميزة يمكن تسميتُها «ميزة الجيوش الحديثة»، وهذه الميزة هي التي دفعَت شعوبَ العالم والدول الحديثة للالتفاتِ إلى الجيش اللبناني وإطلاقِ الشهادات وهي « JOINT FORCES FOR «JOINT WORK» أي تجميع القوى للعمل المشترَك وهو نظامٌ لأوَّل مرّة ينفّذه الجيش اللبناني على هذا المستوى. وقد شارَك في المعركة تجميع عملياتي من قوى تقليدية وقوّات خاصة وقوات تدخُّل وأسلحة دعم صاروخي ومدفعي ومساندة هندسية وطبّية ومخابراتية، بالإضافة إلى سلاح الطيران.

وطمأن الى ان في لبنان ليست هناك مجتمعات داعمة للفكر التكفيري كتنظيم "داعش" الذي ما زلنا نشهد على فصوله في الجوار. وهذا التنظيم أسوةً بغيره من التنظيمات الإرهابية يعمل على 3 مستويات: تكتياً وعملانياً واستراتيجيّاً. فتكتياً وعملانياً انتهى وجوده في لبنان بعد المعركة وزال خطرُه من أن يمتدّ من رأس بعلبك أو جرد القاع ويستحوذ منفَذاً على البحر ويعلن إمارته في شمال لبنان ليصِلها بجنوب سوريا. أمّا على المستوى الاستراتيجي فَفِكرُ «داعش» ليس ابنَ ساعتِه، إنّما له خلفيته وأيديولوجيته الممتدة والمتجذّرة في التفكير الإرهابي، والحلّ هو بتعليم الشعوب الفقيرة وتطوير البلدان النامية وتثقيفها. أمّا في لبنان فإنّ «داعش» هو حالة عبرت.

وسأل: هل الشهداء وهم؟ وهل مَن سقط استُشهد أثناء النزهة أم أثناء القتال وفي ساحة المعركة؟ أمّا إذا كان عدد الشهداء المنخفض نسبةً إلى هول المعركة هو سبب هذا التساؤل، فمرَدُّ ذلك إلى نجاح التخطيط والتحضير وليس العكس. زِد أنّ عدد الشهداء كان مرتفعاً في نظرنا، لأنّ سقوط شهيد واحد بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية هو في حدّ ذاته خسارة كبيرة وليس عدداً منخفضاً. كما أنّ القيادة الناجحة للعملية تقضي بتدمير العدوّ بأسلحتنا المتفوّقة، حيث يكون بعدها دورُ جندي المشاة الراجل القاضي بتنظيف الهدف. وهذا ما فعلناه بحسنِ إدارة نيران الجوّ والمدافع والصواريخ والدبّابات والمضادّات، فكان النصر بأقلّ عددٍ ممكن من الشهداء. وتجدر الإشارة إلى أنّ المساعدة اقتصَرت فقط على الوسائط والإمكانات العسكرية، إنّما أحدٌ لم يضع يدَه معنا أو يشاركنا في المعركة، لا أميركا ولا غيرها.

وشدّد على ان إنتقلتُ الى العمل الديبلوماسي، وهناك خيط رفيع بين الديبلوماسية والعمل الأمني، أمّا مركزي الحالي فهو مكمّل ديبلوماسياً لعملي العسكري، وأستخدِمه لأعزّز مكانة لبنان وموقعَه وموقفه في الدوائر الديبلوماسية والعالمية في الأمم المتّحدة. موضحا ان نعم تركتُ العسكر. إنّما التجربة التي بنيتها في مسيرتي العسكرية وحسن قراءة الأمور تُستغلّ ديبلوماسياً، خصوصاً أنّ مِن أهمّ الأمور التي أعمل عليها اليوم هو ملفّ قوات «اليونيفيل»، والكلّ يَعلم حجم الحضور الإسرائيلي النافذ في المحافل الدولية. ولذلك نحن دائماً بالمرصاد بتوجيهاتٍ من القيادة التي تزوّدني دائماً بآخِر الأحداث وبالتطوّرات، فأعمل على حلحلة العقد بالاتصال المباشر بالمعنيين لتصويب المسار، وأنقل وجهاتِ نظر القيادة إلى قيادة قوات الأمم المتحدة واستقطاب ما أمكنَ مِن مساعدات للجيش وتوضيح ما التبَس أمرُه من إشكاليات. كاشفا ان مهمّته اليوم تمثيل الجيش اللبناني في الأمم المتحدة، والمنصب لم يكن موجوداً، وإذا اعتبر البعض أنّ المنصب مكافأة، فأنا أقول إنّ الرَجل العسكري لا يسعى إلى مكافآت، ومكافأتي نظرة رفاقي لي، وصحيح أنّني سعيد بالمهمّة لأنّني رسول الجيش الى الخارج، لكنّني كنتُ سأبدو سعيداً أكثر في ميدان المعركة، فأمنيتي إنهاءُ مسيرتي العسكرية هناك في الميدان، وهو المكان الأحبّ إلى قلبي.