رغم الاحوال السيئة التي مرّت على ​إيران​ في الأشهر السابقة، يبدو أن الأسوأ لم يحن بعد، فاليوم يبدأ تطبيق العقوبات الاميركية الجديدة التي أقرتها الإدارة الاميركية، بعد قرار الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ الخروج من ​الاتفاق النووي​ الإيراني، على وقع تحركات احتجاجية غاضبة في الشارع الإيراني، تنديدا بارتفاع التضخم وانهيار قيمة الريال الايراني، الذي فقد ثلثي قيمته.

بعد إعلان ​الإدارة الأميركية​ نيّتها الخروج من الاتفاق النووي مع إيران، برزت مجموعة تدابير تنوي الادارة اتخاذها لتشديد الخناق على الجمهورية الاسلاميّة، فالخروج من الاتفاق لم يكن بسبب مزاجية ترامب، بل لأن الاهداف الأميركية لم تتحقق. لذلك اعلن وزير الخارجية الأميركي ​مايك بومبيو​ أن العقوبات الأميركية "ستكون مشددة وستستمر على إيران إلى أن تغير حكومتها مسارها بشكل جذري"، مضيفاً أن "الإيرانيين ليسوا سعداء بفشل قادتهم في تحقيق الوعود الإقتصادية التي قطعوها".

الاهداف الاميركية

تنطلق اليوم رحلة جديدة من العقوبات الاميركية على إيران، الّتي ستُفرض خلال 180 يوماً، حتى 4 تشرين الثاني: على قطاع الشحن وبناء السفن في إيران، وتجدّد تلك المفروضة على التحويلات المالية لقطاع النفط والبتروكيماويات مع الشركات الحكومية الإيرانية، وعلى البنوك الأجنبية التي تتعامل مع ​البنك المركزي​ الإيراني، تأمين الخدمات المالية والتأمين، قطاع الطاقة الإيراني، العملة، تجارة الذهب والمعادن النفيسة وتعاملاتها في مجالات المعادن والفحم وبرامج الكمبيوتر المرتبطة بالصناعات، والسجاد والمواد الغذائية المصنعة وغيرها من المجالات التي ستتعرض للحصار الأميركي.

الأبرز في هذه العقوبات يبقى تلك المتعلقة بالنفط والنقد، خصوصا مع ارتفاع سعر صرف الريال الايراني، والتحركات التي تشهدها المدن الإيرانية والتي غالبا ما تبدأ فيها الشعارات مطلبيّة، وتتحول لان تصبح سياسية معارضة للنظام الايراني ولرأس الهرم فيه.

في هذا السياق يشير الخبير في الشؤون الايرانية علاء حسن الى ان التأثيرات السلبية على بدأت بشكل فعلي عندما خرج الأميركي من الاتفاق النووي، فأدّت الى أزمة سياسية أثّرت على الوضع الاقتصادي ولانهيار العملة، ترافق ذلك مع غلاء للأسعار وانخفاض للقدرة الشرائية. لافتا الى أن الأزمة تفاقمت بسبب الاستغلال والتلاعب بوضع السوق.

ورأى حسن أن الاهداف الأميركية في العقوبات الجديدة لم تتغيّر عن سابقاتها، فهي تسعى لجعل إيران مشابهة لكوريا الشماليّة، معزولة عالميًّا، وتعيش على معونات الدول، إضافة الى السعي الأميركي للحصول على تنازلات إيرانيّة في ملفات المنطقة، وأخيرا تقليب الرأي العام الإيراني على النظام. ويشدد حسن على ان الأهداف الأميركية ستفشل، دون ان يعني ذلك أن إيران لن تتضرر من هذه الحرب الاقتصادية.

سبل المواجهة

واجهت إيران في السابق العقوبات الأميركية ووصلت الى نقطة معينة من الاكتفاء الذاتي جعلتها تصمد، واليوم لن تختلف سياسة المواجهة الايرانية بشكل كبير، ولكن مع فروقات تأخذ بعين الاعتبار عاملي الزمان والمكان.

يلفت حسن النظر الى ان "السياسة الايرانية سياسة متأنّية وليست عاجلة ولديها القدرة على المراوغة، فالايراني رفع السقف بموضوع النفط عبر حركتين، الاولى هي ضربة البارجة ​السعودية​، والثانية مناورات التدريب على اغلاق مضيق ​باب المندب​، ولكن بالقابل أعطى إشارات ايجابية، عندما اعلن ​عبد الملك الحوثي​ انه سيوقف استهداف البحر الاحمر لمدة أسبوعين، وعند إعلان الجانب الروسي أن إيران وافقت على إبعاد سلاحها الثقيل عن ​الجولان​ المحتل مسافة 85 كيلومترا.

إن السياسة الإيرانية الذكيّة تناور في سبيل الخروج من الحرب المقبلة بأقل أضرار ممكنة، ويعلم الأميركي أن العقوبات لن تؤدي الأهداف المطلوبة طالما لإيران أصدقاء في ​الاتحاد الأوروبي​ ك​روسيا​، والصين، وتركيا، لذلك يبدو من خلال التسريبات أن اللقاء بين الرئيس الايراني ​حسن روحاني​ والاميركي دونالد ترامب لن يتأخّر، وقد يكون الشهر المقبل، بعد أن أبلغت أميركا إيران موافقتها على شروط اللقاء. فهل يكون التصعيد الحالي مدخلا لتفاوض جديد يؤدي الى تغييرات في المنطقة؟.