في شهر أيار الماضي، فاز الرئيس الفنزويلي ​نيكولاس مادورو​ بولاية رئاسية جديدة مدتها 6 سنوات، الأمر الذي لم تكن تحبّذه ​الولايات المتحدة​ الأميركية، إلا أن الأزمة لم تنته عند هذه النقطة، حيث سعت واشنطن، بعد الإنتهاء من الإستحقاق الإنتخابي، إلى التأثير على الأوضاع الداخلية من خلال حصار إقتصادي، وصولاً إلى تعرّض مادورو، قبل أيام، إلى محاولة إغتيال فاشلة عبر طائرات دون طيار تحمل متفجرات.

محاولة الإغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس الفنزويلي، أعادت إلى الأذهان عمليات الإغتيال والإنقلابات التي تعرض لها العديد من رؤساء الدول في ​أميركا اللاتينية​، في السنوات السابقة، مع العلم أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كان قد أعلن، خلال زيارة له إلى ​الأرجنتين​ قبل نحو عامين، أن بلاده تعلمت الدرس من أخطاء الماضي، بعد التورط في دعم الإنقلاب العسكري في العام 1976.

وعلى الرغم من أن ​فنزويلا​ تعيش منذ سنوات حرباً إقتصادية وسياسية شرسة، ارتفعت حدّتها بعد رحيل الرئيس السابق ​هوغو تشافيز​، إلا أن محاولة إغتيال مادورو لا يمكن أن تنفصل عما يجري من تحولات على مستوى المنطقة، لا سيما بعد إسقاط الرئيس لولا دا سيلفا في ​البرازيل​، وبعد التخلص من الرئيس السابق رافاييل كورييا في ​الإكوادور​، حيث أعلنت عن عزم واشنطن تزويدها بمعدات عسكرية قبل أيام قليلة، في حين أعطى الرئيس الأرجنتيني موريسيو ماكري الولايات المتحدة الضوء الأخضر لنشر 3 قواعد عسكرية على الأقل في البلاد.

وعلى الرغم من النفي الأميركي، على لسان مستشار الأمن القومي جون بولتون، أي علاقة لواشنطن بمحاولة الإغتيال، لا بل الذهاب إلى حد القول أنها كانت مدبّرة من قبل مادورو نفسه، تربط بعض الأوساط السياسيّة ما حصل بالنزاعات التي تخوضها الولايات المتحدة على مستوى العالم، لا سيّما بعد التهديدات التي تعرض لها قطاع النفط العالمي على خلفية الصراع مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وبالتالي يكون من "المفيد"، بالنسبة إلى واشنطن، في الوقت الراهن التخلص من الرئيس الفنزويلي للسيطرة على الموارد الطبيعية في بلاده، التي تعتبر من بين الدول التي تمتلك أكبر مخزون من النفط في العالم، فضلاً عن كميات كبيرة من الفحم والحديد والذهب.

وفي حين تشير المتخصصة في شؤون أميركا اللاتينية وفيقة ابراهيم، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن محاولة اغتيال مادورو تعبّر عن يأس اليمين المتطرف ومن يقف خلفه، تشدد على أن محاولات زعزعة استقرار أميركا اللاتينية لم تتوقف يوماً منذ الثورة البوليفارية.

وتلفت إبراهيم إلى أن هؤلاء لم ينجحوا في التخلص من مادورو عبر صناديق الإقتراع، نظراً إلى أن الثورة البوليفارية لا تزال قويّة على المستوى الشعبي، ما دفعهم إلى اللجوء للحصار ونسج المؤامرات عبر المراكز التي افتتحت في ​كولومبيا​ وفلوريدا لضرب العملة المحلية. وعلى الرغم من تأكيدها أن هناك أضراراً تعرض لها الشعب الفنزويلي من جراء ذلك، تشير إبراهيم إلى أنها في المقابل أدّت الى تمسّكه بالخطط الإقتصادية الجديدة التي أعلن عنها مادورو، لا سيما على مستوى مكافحة الفساد، وتضيف: "إنطلاقاً من ذلك لم يعد لديهم من وسيلة أخرى إلا الإغتيال الجسدي".

من وجهة نظر إبراهيم، عملية الإغتيال الفاشلة كان من الممكن أن تؤدي، فيما لو نجحت، إلى حرب أهليّة في فنزويلا، مشيرة إلى أن القوى المعادية لها لا تخشى هذا السيناريو، لأنها تعتبر أن مثل هذه الحرب هي الوسيلة المناسبة للقضاء على الثورة، لافتة إلى أن التداعيات كانت كبيرة على مستوى المنطقة، نظراً إلى أن هذه الأساليب من المفترض أن يكون قد تخطاها الزمن، وتضيف: "مادورو اليوم أقوى لأن المواطنين شعروا بالخطر بسبب الخوف من الحرب الأهليّة"، وترى أن الصراع على النفط هو نقطة البداية والنهاية، لأن القوى العظمى تبحث دائماً عن السيطرة على البلدان التي تمتلك الثروات.

من جانبه، ينطلق الباحث في شؤون أميركا اللاتينية غالب نور الدين، في حديث لـ"النشرة"، من مقولة تاريخية لمؤسس ورئيس كولومبيا الكبرى: "يبدو أن الولايات المتحدة مقدر لها أن تنشر البؤس في أميركا باسم الحريّة"، ليشير إلى أن ليس هناك من رادع أخلاقي أمام واشنطن في أعمالها بحسب ما تؤكد التجارب في أميركا اللاتينية.

ويشير نور الدين إلى أن الولايات المتحدة التي تتعامل مع أميركا اللاتينية على أساس أنها الحديقة الخلفيّة لها سبق لها أن أقدمت على إغتيال عدّة رؤساء جمهوريّات، وهي تتعامل بالطريقة نفسها التي تطبقها في بلدان الشرق الأوسط، حيث تحاول السيطرة عبر الإنتخابات وفي حال الفشل تلجأ إلى الإنقلابات العسكريّة أو إلى المتظاهرين المبرمجين (الربيع العربي على سبيل المقارنة) وبعد ذلك إلى عمليات الإغتيال.

ويشرح نور الدين أن الولايات المتحدة تعاني من أزمة على مستوى العالم، وفي أميركا اللاتينية لديها أزمات متنوعة مع فنزويلا والبرازيل والمسكيك، والسيطرة على النفط في الأولى من الأمور الملحّة بالنسبة لها، لأنّها هي قلب الثورات منذ أيام بوليفار في أميركا اللاتينية، والبرازيل ستشهد عودة لولا دا سليفا في المرحلة المقبلة، مع العلم أنه أعلن الترشح إلى الإنتخابات الرئاسية رغم وجوده في السجن.

ويشدد نور الدين على أن أميركا اللاتينية هي اليوم في حالة حرب أو صراع، بين الإرادة الإستقلاليّة وإرادة الولايات المتحدة بالسيطرة عليها، لكنه يرى أن واشنطن ستكون الخاسر في نهاية المطاف لأنها تستعمل عملاء، ويؤكد أن عمليّة الإغتيال الفاشلة التي تعرض لها مادورو ستكون عامل قوة له.

من جانبها، توضح المستشارة السابقة للرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز إيزابيل فرنجيّة، في حديث لـ"النشرة"، أن مادورو عمد إلى توجيه الإتهام بشكل مباشر إلى كولومبيا نتيجة التصريحات التي كان قد أدلى بها الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، والذي كان قد تحدث في اليوم نفسه لمحاولة الإغتيال عن أن سقوط حكومة مادورو وشيك.

وتشير فرنجيّة إلى أن الأزمة مع الولايات المتحدة تعود إلى أن تشافيز لدى وصوله إلى الحكم عمل على الخروج من التبعيّة الأميركيّة، عبر الإنفتاح على الأسواق الإقتصاديّة الصاعدة، الأمر الذي أثّر على العلاقة بين الجانبين، لا سيما مع تصاعد العلاقات بين فنزويلا و​الصين​ وبين فنزويلا و​روسيا​، وتضيف: "اليوم نحن نشهد على الحرب الإقتصاديّة بين واشنطن وبكين".

وفي حين تلفت فرنجيّة إلى أن الكوتا التي تحصل عليها الولايات المتحدة من النفط الفنزويلي لم تتأثّر على مدى 15 عاماً، تشير إلى أن مشكلة واشنطن هي في الموقع بعد أن أصبحت الصين وروسيا على أبوابها من خلال التواجد في فنزويلا، بالإضافة إلى الرغبة الأميركية في السيطرة على الموارد الطبيعية التي لدى جارتها، وتضيف: "اليوم هناك حصار مالي وإقتصادي تحت عناوين الديمقراطية، لكن في حال قررت أن تقول فنزويلا لأميركا تفضّلي بالدخول ستصبح في اليوم الثاني واحة للديمقراطية".