كانت لافتة الجملة التي قال فيها رئيس التيار "الوطني الحر" وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ بعد اجتماع تكتل "لبنان القوي"، خلال مقاربته لملف تأليف الحكومة: "إذا تطلّب الأمر عملية سياسية، دبلوماسية، شعبية، لفك أسر لبنان من الاعتقال السياسي الذي نحن فيه، لن نتأخر". فمن يعتقل لبنان؟ سؤال ليس بحاجة الى تفكير عميق. بمجرد أن يذكر باسيل مصطلح "إعتقال سياسي" أو "أسر لبنان"، يعيد بذلك التوصيف مشهد "إعتقال" رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ في السعوديّة في الأشهر الماضية. بحسب مطّلعين، فإن باسيل إستحضر الحادثة، للقول إن السعوديين يمنعون الحريري من تأليف الحكومة، وبالتالي يبقى لبنان في الأسر معتقلا سياسياً. لكن كيف يمنع السعوديون الحريري؟ يقول المطّلعون انفسهم: يتمّ الأمر عبر الطلب من حلفاء الرياض في لبنان، أي حزب "القوات" والحزب "التقدمي الاشتراكي" رفع سقف التفاوض الى حدود قصوى، وهو حاصل الآن، فلا يلقى السقف العالي تجاوباً من قبل رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ والتيار "الوطني الحر" حيث يصرّان على عدم تلبية شروط "القوات" و"التقدمي"، على اعتبار انهما "يطالبان بحصص حكومية تفوق أحجامهما". ولذلك لوّح فريق رئيس الجمهورية بحكومة أكثريّة وهو ما كشفته "النشرة" يوم السبت الفائت، لا يتمثل فيها حزب "القوات"، واذا بقي رئيس "التقدمي" ​وليد جنبلاط​ متمسكاً بموقفه، فيُستعاض عن ممثليه بوزراء دروز يؤمّنون الميثاقية كاملة لاستنادهم الى أرقام وازنة حصدوها في ​الانتخابات النيابية​، كالوزيرين ​طلال ارسلان​ ووئام وهّاب.

لكن ماذا قصد باسيل بالعملية السياسيّة؟ يقول المطّلعون انفسهم إن وزير الخارجية والمغتربين ألمح الى وجود وسائل ضغط على ​السعودية​، عبر عواصم دولية، ك​فرنسا​ مثلا التي لم تُفلح تدخّلاتها المتواضعة الاخيرة مع الرياض، و​الولايات المتحدة الأميركية​ التي تشترط تقليص دور "​حزب الله​". لكن التحرك الشعبي متوافر، للضغط على السعوديين عبر تحميلهم مسؤولية تقييد الحريري. المراقبون إستبعدوا الوصول الى تنفيذ العمليّة الآن، بإعتبار أن السقف الزمني للتأليف لا يزال مقبولا، لكنه في حال تجاوز شهر آب، من دون أي جديد، فإن أيلول سيكون شهر الفصل، من خلال تنفيذ ضغوط شعبيّة، بحراك مفتوح يتّخذ اشكالاً عدة، ودبلوماسيّة من خلال رسائل للعواصم والمنظمات الدولية، تحمّل السعودية المسؤولية.

المراقبون أشاروا الى ان العقدة تبدو عند السعوديين، الذين يريدون منع حلفاء "حزب الله" من إمساك القرار السياسي داخل الحكومة اللبنانية. انها اللعبة السعودية-ال​إيران​ية في سباق إقليمي مفتوح. تعوّل الرياض الآن على العقوبات الأميركية على إيران، التي تستهدف عملياً تمويل "حزب الله"، الأمر الذي يعتبره السعوديون عاملاً اضافيا لتقليص دور "حزب الله" في الحكومة اللبنانية. لذلك، فإن الرهان السعودي هو على تجفيف الدعم الايراني لحزب الله، الذي سيُنتج برأيهم تراجع قوة الحزب السياسيّة، بعدما فشلت كل المحاولات السابقة السياسية والعسكرية، في ضرب نفوذ "حزب الله".

تتلاقى المصالح والخطوات الأميركية مع السعودية في استهداف نفوذ الحزب في لبنان، في وقت يراهن فيه خصوم الحزب على إثارة النقمة في الوسط الشيعي عليه وعلى حركة "امل" معاً، لأن ضرب "الثنائي" يغيّر البوصلة السياسة للشيعة. ويرى المراقبون أن لا نفع لاستهداف الحزب من دون الحركة، لأنهما يتكاملان سياسياً، ويحميان بعضهما البعض.

من هنا حتى نهاية الشهر الجاري، ستكون المساحة الزمنية كافية لتحضير الخطوات العمليّة، وعندما يطل ايلول، ستتوضح الصورة الاقليمية والدولية تجاه لبنان، عندها قد تكون العملية التي قصدها باسيل اصبحت ناضجة للتنفيذ. فماذا سيحصل على الخط الايراني-الاميركي؟ وهل ترد طهران بتنفيذ تهديداتها لفرض شروطها التفاوضيّة الجارية برعاية عُمانية مع واشنطن؟.

أسئلة تحتاج لأسبوعين للاجابة عليها. عندها يتبيّن الخيط الحكومي اللبناني الاسود من الابيض.