في الأيام الأولى من تكليف ​سعد الحريري​ تشكيل ​الحكومة​ الجديدة، كانت الأجواء التي طغت على الساحة السياسية أكثر من إيجابية، حيث كان الحديث عن أن الولادة ستكون خلال أيام، لكن مع مرور الوقت تبين أن هناك الكثير من العقد التي تحول دون تحقيق ذلك، أبرزها تلك المتعلقة بتمثيل حزب "القوات اللبنانية" و"​الحزب التقدمي الإشتراكي​" والشخصيات السنية التي لا تدور في فلك تيار "المستقبل"، وصولاً إلى الإجماع على أن المشاورات دخلت في نفق مظلم لا يمكن التكهن بموعد خروجها منه.

في هذا السياق، الأبرز كان في اليومين الماضيين عودة الحديث عن "الإعتقال" السياسي من قبل "​التيار الوطني الحر​"، ما يعيد إلى الذاكرة ما حصل، في 4 تشرين الثاني 2017، عندما تم إجبار رئيس حكومة تصريف الأعمال على تقديم إستقالته من قبل الملكة العربية ​السعودية​، قبل أن تنجح الإتصالات التي قامت بها بعض الجهات الدولية، لا سيما ​فرنسا​، في إعادة الأمور إلى سابق عهدها، في مؤشر واضح إلى أن من يقف وراء التعطيل خارج الحدود، وإلى أن فترة السماح، التي كان يمنحها "التيار الوطني الحر"، شارفت على الإنتهاء.

في هذا الإطار، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الظروف الإقليمية والدولية لا تشجع على ولادة الحكومة في وقت قريب، لا سيما في ظل ما يحصل على مستوى الساحة السورية، وعلى مستوى الصراع الأميركي الإيراني منذ إنسحاب واشنطن من الإتفاق النووي الإيراني، معتبرة أن الأفرقاء السياسيين أضاعوا فرصة ذهبية كانت تسمح بإنجاز التشكيلة في الأيام الأولى من التأليف، لكن اليوم من الصعب الوصول إلى ذلك من دون ضوء أخصر خارجي، حيث الرهان على دور فرنسي في إقناع السعودية بالتراجع عن الشروط التي تضعها.

من وجهة نظر هذه المصادر، لا يمكن التسليم بأن بعض الأفرقاء الداخليين، لا سيما حزب "القوات اللبنانية" و"الحزب التقدمي الإشتراكي"، قادرين على تعطيل الولادة الحكومية وحدهم، أي من دون دعم خارجي لموقفهم، مشيرة إلى المعلومات عن تمنيات سعودية على رئيس الحكومة المكلف بعدم تجاوز مطالب كل من رئيس "القوات" ​سمير جعجع​ ورئيس "الإشتراكي" ​وليد جنبلاط​.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن هذه الرؤية يتفق فيها التيار مع "حزب الله"، الذي يعتبر أن الرياض تريد الإنقلاب على نتائج الإنتخابات النيابية، في حين عادت إلى الواجهة مظاهر الإنقسام السابق، عبر التحالف بين "المستقبل" و"القوات" و"الإشتراكي"، بعد الزيارة التي قام بها رئيس الأخير النائب السابق وليد جنبلاط إلى السعودية، وهو الذي يعتبر، من وجهة نظر "الوطني الحر"، "المُعرقل" الأول، بسبب مطالبته بالحصول على التمثيل الدرزي الوزاري الكامل، ما يعطيه القدرة على تعطيل الحكومة متى يشاء إنطلاقاً من عنوان الميثاقية.

من وجهة نظر هذه المصادر، ما صدر عن "التيار الوطني الحر" يوحي بأن لا أفق لمعالجة العقد الحكومية، لكنه من ناحية أخرى يشير إلى أن "صبره" بدأ ينفذ من المماطلة الحاصلة، وبالتالي هو في طور الإنتقال إلى مرحلة جديدة من التعامل مع هذا الملف، على الأرجح ستقوده إلى الصدام مع رئيس الحكومة المكلف، الذي لا يستطيع المغامرة بالتمرد على التمنيات أو المطالب السعودية، التي تنص على الأخذ في عين الإعتبار ما يريده كل من "الإشتراكي" و"القوات"، خصوصاً أن القائم بالأعمال وليد البخاري كانت قد تحدث قبل أيام عن حكومة متوازنة.

من جانبها، تلفت مصادر نيابية في تكتل "لبنان القوي"، عبر "النشرة"، إلى أنه حتى الآن ليس هناك من خطوات عملية جرى البحث فيه، حيث لا يزال التيار يضع الأمور في عهدة رئيس الحكومة المكلف، الذي عليه أن يبادر إلى تقديم التشكيلة الحكومية، لكنها تسأل: "في حال إستمرار الواقع على ما هو عليه أليس هناك من خيارات بديلة؟"

وتوضح هذه المصادر أن ما تم التطرق إليه، بعد إجتماع التكتل، يعود إلى التصلب غير المبرر من قبل فريقين سياسيين، واضعة علامات إستفهام حول ما إذا كان هذا التصلب محض داخلي فقط، وتضيف: "نتمنى أن نكون على خطأ، لكن لا يمكن الإستمرار في الواقع نفسه"، إلا أن هذا لا يمنعها من الإشارة إلى أن هناك عدة خيارات للخروج من المراوحة القائمة، منها الذهاب إلى المجلس النيابي عبر رسالة يوجهها رئيس الجمهورية، أو إلى الشارع، كون الشعب يبقى مصدر كل السلطات، وتذكر بأن باسيل كان قد تحدث عن عملية سياسية شعبية دبلوماسية.

بناء على ذلك، تعود المصادر السياسية المطلعة إلى التأكيد بأن الخروج من الواقع الراهن لم يعد في متناول اليد، أو على الأقل ليس بالسهولة التي يتصورها البعض في لبنان، حيث البحث من المفترض أن يكون عن الجهات القادرة على إقناع الرياض بالتراجع، خصوصاً أنه بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة، التي شهدت تراجعاً في حجم تمثيل حلفائها عما كان عليه في السابق، لا يمكن لها أن تطالب بالإبقاء على التوازنات السابقة، وتضيف: "بعد ذلك سيكون من الأسهل معالجة العقد الداخلية، نظراً إلى أن القوى السياسية المحلية تملك القدرة على إبتكار الحلول".

في المحصلة، ما كان في دائرة الشكوك قبل أيام بات في دائرة اليقين، على الرغم من أن بعض الأفرقاء مازلوا مصرين على حصر العقد في المطالب الداخلية، فهل يخرج الدخان الأبيض عما قريب؟