منذ وصول الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، كان من الواضح أن العالم دخل مرحلة جديدة، إنطلاقاً من العقليّة التي يعمل بها "سيد البيت الأبيض"، سواء كان ذلك مع "الحلفاء" أو "الأعداء".

هذا الأمر، أدى إلى بروز توترات في العلاقة بين ​الولايات المتحدة​ والعديد من القوى الأخرى، منها من هو "حليفاً" لها مثل ​الإتحاد الأوروبي​ و​تركيا​، ومنها من هو على "عداء" أو "تنافس" معها مثل ​روسيا​ و​الصين​ و​كوريا الشمالية​ و​إيران​، إلا أن اللافت يبقى التوتر الحاصل على مستوى العلاقة بين واشنطن وأنقرة في الأيام الماضية، لا سيما أن تداعياته كانت كبيرة وسريعة على الإقتصاد التركي، ما دفع الرئيس ​رجب طيب أردوغان​ إلى التهديد بالبحث عن حلفاء جدد.

في هذا السياق، يشير السفير اللبناني السابق في الولايات المتحدة رياض طبّارة، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن ترامب من المدرسة الفكريّة التي تعتبر أن كل التجمعات الدولية غير صالحة، أي أن الدول يجب أن تكون قومية ومستقلة وتتعامل بالطريقة نفسها مع الدول الأخرى.

ويذكر طبارة أن ترامب كان هدفه في السابق حلّ ​حلف شمال الأطلسي​ "الناتو" والإتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن هذه هي فلسفة الرئاسة لا العهد، حيث هناك فرق بين ما يريده الرئيس وما يريده المستشارون، ويضيف: "في أغلب الأحيان يتغلب المستشارون، حيث أنهم قبل ذهابه إلى قمة "الناتو" قاموا بأغلب المعاملات لتأكيد إستمرار واشنطن في الحلف".

على صعيد متصل، يوضح طبارة أن لدى ترامب طريقة أخرى في التعامل، تقوم على أساس أنه يريد "تركيع" العدوّ من خلال العقوبات الإقتصاديّة قبل التفاوض معه، موضحاً أن هذا الإسلوب تم إستخدامه مع كوريا الشماليّة واليوم مع إيران وتركيّا.

من جانبه، يشرح الخبير في الشؤون التركيّة ​محمد نور الدين​، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن العلاقات التركيّة-الأميركيّة، عبر التاريخ، شهدت العديد من التوتّرات منذ العام 1964 حتى اليوم، لكنه يؤكّد أن لا علاقة لقضية القسّ الأميركي أندرو برانسون، خصوصاً أن الأخير معتقل منذ محاولة الإنقلاب الفاشل في أنقرة، وبالتالي يجب البحث عن أسباب أخرى لمعرفة حقيقة ما يحصل.

من وجهة نظر نور الدين، هناك سببين أساسيين، الأول الغضب الأميركي من العلاقات التركية-الروسية، بسبب العقوبات التي تفرضها واشنطن على موسكو وصفقة صواريخ أس-500 بين الجانبين التركي والروسي، الأمر الذي يُعدّ خرقاً للمنظومة الدفاعية الأطلسيّة عبر عضو في "الناتو"، أما السبب الثاني فهو العقوبات الأميركية على إيران، حيث تريد الولايات المتحدة تشديد الحصار على طهران، ولا تريد أن تستثني أنقرة من هذه العقوبات هذه المرّة، ويعتبر أنّ الهدف تطويع تركيّا وإدخالها في منظومة الدول التي تُعاقب في حال لم تلتزم لا سيما بعد 3 أشهر، أي عندما تبدأ العقوبات التي لها علاقة ب​النفط والغاز​، خصوصاً أن أنقرة تعتبر السوق الأساسي للنفط الإيراني منذ سنوات طويلة.

بالنسبة إلى طبّارة، المشكلة الرئيسية التي يواجهها الرئيس الأميركي اليوم هي أن "الحلفاء" و"الأعداء" بدأوا بالتجمع نتيجة السياسات التي ينتهجها، لا سيما أنها مع كوريا الشمالية وإيران لم تنجح، وهو ما يظهر من خلال المواقف التي أدلى بها الرئيس التركي، مشيراً إلى أن أنقرة تبحث اليوم عن "أصدقاء" جدد، في حين أن الأوروبيين يسعون إلى البحث عن طريقة لـ"لجمه".

تركيا والمظلة الأطلسيّة

إنطلاقاً من التوتر الجديد في العلاقات الأميركية-التركية، يترقب العالم اليوم إتجاهات الليرة التركية مقابل الدولار، على وقع الخسائر التي تتعرض لها الأولى، حيث وصلت سعر صرفها مقابل الدولار عند 7.24 صباح أمس، وهو مستوى قياسيا.

​​​​​​​على هذا الصعيد، يوضح نور الدين أن الإقتصاد التركي تعرّض منذ بدء الأزمة السوريّة، ثم التفجيرات الإرهابيّة التي شهدتها البلاد، وبعد ذلك القطيعة الإقتصاديّة مع روسيا، إلى العديد من النكسات، لكن مع ذلك نجح في تجاوزها وهذا العام يسجل مستوى من النمو لا بأس به قد يصل إلى 5%.

إنطلاقاً من ذلك يعتبر نور الدين أن التداعيات لن تصل إلى مستوى الإنهيار، لا سيما أن هناك وحدة بين السلطة والمعارضة في مواجهة الحملة التي تقودها الولايات المتحدة، إلا إذا كان هناك خطوات جديدة غير متوقعة من قبل الرئيس الأميركي.

وفي حين يعود طبارة إلى التأكيد بأن الخطوات التي يقوم بها "حلفاء" واشنطن المعارضين له هدفها "لجمه" والحد من "البلطجة" التي يتعامل بها، يشير إلى أن بعضهم يتحضر لإمكانيّة المواجهة، لكنه يستبعد أن يعمد هؤلاء إلى الخروج من تحت المظلة الأميركية، نظراً إلى أن لذلك تداعيات كبيرة على الإقتصاد العالمي لا يريد أحد حصولها، ويرى أن الأمر نفسه ينطبق على الحالة التركية، وهو ما يوافقه عليه نور الدين، الذي يعتبر أن من المفيد العودة إلى التاريخ لمعرفة إحتمالات الخارطة المستقبلية.

ويشير نور الدين إلى أنه في العام 1974 فرض الحظر على بيع السلاح إلى أنقرة بعد غزوها قبرص، ما دفعها إلى الردّ بإجراءات منها إغلاق كل المراكز العسكريّة الأميركيّة على أراضيها، في حين هي اليوم لم تعمد إلى إتخاذ أيّ إجراء عملي، باستثناء إعلانها أنها لن تلتزم بالعقوبات على إيران.

وفي الوقت الذي يشير فيه إلى أن تلك الأزمة كانت أكبر من الراهنة، يلفت نور الدين إلى أن أردوغان لا يملك القدرة على تغيير خارطة التحالفات، فهو قبل أيام حذّر من توقّف مسار آستانة في حال توجه الجيش السوري نحو إدلب، ما يعني أن العلاقة مع "الأصدقاء" الجدد ليست إستراتيجيّة، وهو يدرك أنها قائمة على مصالح تتصل بالخلاف مع واشنطن والتطلعات في سوريا، وبالتالي لا شراكة إستراتيجيّة مع موسكو عندما تتصحح العلاقة مع الولايات المتحدة.

بالنسبة إلى العلاقة مع إيران، يؤكد نور الدين أنها لا تتأثر، سلباً أو إيجاباً، على صعيد التواصل الدبلوماسي والمصالح المتبادلة على المستويات كافة، أي أنها ثابتة لكن مضطربة على صعيد الساحات الثلاثة، مثل سوريا والعراق والقوقاز وأماكن أخرى، لافتاً إلى أن أنقرة تتجنب خطوات سلبيّة عدائيّة، ولو من باب ردّ الفعل على أميركا، نظراً إلى أنها تدرك أن مكانها الطبيعي ومصالح الإستقرار والوحدة فيها هي في البقاء ضمن مظلة الغرب.

في المحصلة، ما يجري الآن من خلافات بين الولايات المتحدة وتركيا لا يزال ضمن صفة الموقّتة التي من الممكن معالجتها، لكن لا يمكن توقع ما قد يقوم به الرئيس الأميركي على هذا الصعيد، لا سيما أنه يحتاج إلى "إنتصار" ما على مقربة من إنتخابات التجديد النصفي في الكونغرس في شهر تشرين الثاني المقبل.