يمكن وصف العلاقة الحالية بين الادارة الاميركية والسلطة في تركيا، على انها ماثلة لتلك التي تحكم العلاقة بين حبيبين فقدا اسس الحب الذي ربطهما، وبات كل منهما يرغب في التخلص من الآخر. فالعقوبات الاخيرة التي اقرتها ​الولايات المتحدة​ بحق تركيا، اتفق الجميع على وصفها بـ"القاسية"، حتى ان الرئيس التركي ​رجب طيب اردوغان​ كاد ان يعلنها حرباً اقتصادية على بلاده، وهو هدد بعدم الوقوف مكتوف اليدين.

في المبدأ، لا يمكن لتركيا ان تقارع الولايات المتحدة من حيث النفوذ او السلطة او اي معيار من المعايير الدولية، ولكن يمكن لأنقرة ان تلعب دوراً سلبياً بالنسبة للسياسة الاميركية في المنطقة، كما يمكن لواشنطن ان "تؤذي" تركيا بوسائل شتى. ولكن اردوغان تفوه بعبارة عند تعليقه عن العقوبات الاميركية، حملت الكثير من المعاني، وهي ان تركيا دفعت ثمناً لانضمامها الى ​حلف شمال الاطلسي​ "الناتو". هذا الموقف بنى عليه الكثيرون للقول ان تركيا بدأت تعدّ العدة للخروج من هذا الحلف، واستندوا الى معطيات اخرى تشير الى ان الموضوع قد يكون اكثر من جدّي.

بعض المعطيات يشير الى ان استهداف اردوغان ونظامه في ظل النقلة الداخلية التي قام بها وعمد من خلالها الى حصر المسؤوليات به، يشير بما لا يقبل الشك الى ان الامور تتجه الى التصادم بينه والادارة الاميركية الحالية، وان الاميركيين مدعومين من الاوروبيين هذه المرة، لم يعودوا يرغبون في التعامل مع الرئيس التركي الحالي ويريدون التخلص منه بطريقة او بأخرى. اضافة الى ذلك، لا يبدو ان تلويح تركيا بالانسحاب من "الناتو" مجرد مناورة، ووفق حسابات الربح والخسارة، قد يعتبر الاتراك ان الاميركيين والاوروبيين يخسرون اكثر مما ستخسره بلادهم اذا انسحبوا. ولا شك ان انضام تركيا الى الحلف منذ العام 1952، ساعده بشكل كبير في التعامل مع مشاكل عسكرية وسياسية عديدة في بلدان مختلفة، فالاراضي التركية تسهّل الوصول الى آسيا واوروبا على حد سواء، وكانت فعالة جداً بالنسبة الى القواعد العسكرية الاجنبية للتدخل على مدى سنوات. ولكن في المقابل، لا تزال تركيا تعاني الامرّين من رفض اوروبا لها وطلب انضمامها الى ​الاتحاد الاوروبي​، كما ان تقربها من ​روسيا​ في الفترة الاخيرة، ومن ورائها ​الصين​، بعث بإشارات مقلقة لـ"الناتو" بشكل عام وادارة الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ بشكل خاص، وآخر هذه الاشارات اقتراب تركيا من الحصول على نظام الدفاع الجوي الروسي المتطور "اس-400" رغم التحذيرات الاميركية في هذا المجال. وقد يكون ذلك، السبب المباشر في تعليق استكمال تزويد تركيا بطائرات من طراز "اف- 35" المتطورة، ما اثار حفيظة انقرة.

من الممكن ان تتغيّر الامور في حال لم يعد اردوغان في الحكم، ولكن حتى ذلك الوقت، لا يمكن التنبوء بمدى تدهور العلاقة بين الجانبين الاميركي والتركي وتأثيرها على الدول الاخرى وعلى "الناتو"، اما في حال تم ترميمها، فمن المؤكد انها ستشهد تنازل الرئيس التركي عن بعض المواضيع التي يتمسك بها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تخفيف العلاقة مع روسيا او تجميدها عند سقف معيّن، اذا تعذّر التراجع عنها. في المقابل، سيكون على الاميركيين والاوروبيين تقديم شيء ما من اجل ابعاد تركيا عن احضان روسيا، ولن يكون تجميد العقوبات الاقتصادية او تخفيفها هو السبب الوحيد الذي سيجعل تركيا تعيد حساباتها في التعاطي مع الروس، لانها ستكسب اكثر اقليمياً ودولياً اذا ابقت على حرارة العلاقة مع موسكو.