مع انتهاء إجازات الأعياد، تكون إحدى ذرائع المماطلة في ​تشكيل الحكومة​ قد فقدت مفعولها. لم يعد هناك من مبرّر حتى إشعار آخر للسفر في زيارات خاصة وبالتالي للهروب الى الأمام في انتظار وحيٍ خارجي أو صحوة داخلية. الهامش يضيق أمام المناورات، و«الوقت الضائع» صار عبئاً ثقيلاً على اللبنانيين بعدما حوّله البعض من «سلاح تكتيكي» في التفاوض الى «سلاح استراتيجي».

صحيح أنّ ​الرئيس ميشال عون​ لا يزال يحرص على سلامة علاقته مع الرئيس المكلف ​سعد الحريري​، إلّا انه اعطى ايضاً في الايام الماضية ما يكفي من اشارات الى أنه لن يسمح بالاستمرار طويلاً في استنزاف العهد.

يبدو واضحاً أنّ عون يحاول أن يضغط على الرئيس المكلف الى الحدّ الذي يحثه على الإسراع في انجاز مهمته، انما من دون أن «يكسره».

يدرك عون أنه ليس سهلاً التخلّي عن الحريري في المرحلة الراهنة لاعتبارات متداخلة، منها ما هو داخلي ربطاً بضرورات حماية التسوية ومراعاة الحيثية التمثيلية لرئيس «تيار المستقبل»، ومنها ما هو خارجي ويتصل بالحسابات الإقليمية والموقف السعودي، الى جانب «عامل وجداني» يتمثل في المودّة الشخصية التي يكنّها رئيس الجمهورية للرئيس المكلّف.

لكن ما سبق ليس سوى نصف الحقيقة، أما النصف الآخر ففحواه أنّ عون يرفض في الوقت ذاته أن يصبح «أسير» خيار الحريري، لا سيما أنه يكره بطبيعته أن يجد نفسه محكوماً بالامر الواقع. طبعه الشخصي والسياسي يدفعه غالباً الى مواجهة محاولات حشره في الزواية الضيّقة، وشقّ «معابر» قد لا تكون في الحسبان أحياناً.

وتقول شخصية سياسية بارزة، تشارك في طبخة التأليف، إنه لا يجوز أن يستمرّ الحريري على المنوال الذي يتّبعه في عملية تشكيل الحكومة، لافتة الى أنّ المشكلة باتت واضحة في مكانها ومكمنها، وما عليه بعد عودته من إجازته سوى أن يواجهها ويعالجها من دون مواربة، إذا كان يريد حقاً أن ينجز التأليف.

وتشير تلك الشخصية الى أنّ الرئيس المكلّف لم يخرج بعد من المربّع الأول الذي لا يزال عالقاً فيه منذ اللحظة الأولى، معتبرة «أنّ المطلوب منه لوقف الدوران في دوامة المراوحة وضع معيار واحد لتحديد الحصص الوزارية العائدة الى كل الاطراف، بعيداً من الاستنسابية والمزاجية، الامر الذي لم يفعله حتى الآن، نتيجة عوامل محلية وأخرى خارجية».

وتشدّد على أنّ الحريري «ما في يكفي هيك»، مضيفة وقد مزجت بين المزاح والجدّ: العُطل انتهت والصيفية شارفت على الانتهاء، وآن الأوان كي يحسم الحريري قراره ويبادر الى تشكيل الحكومة على اساس معيار واضح وواحد، بالتنسيق والتشاور مع رئيس الجمهورية.

وترى الشخصية المعنيّة بمفاوضات التأليف أنّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» ​سمير جعجع​ «ارتكب خطيئة مميتة بطريقة مقاربته المبتورة والضيّقة» لمسألة حصول عون على حصة وزارية مستقلّة لا تُحتسب من ضمن حصة «التيار الوطني الحر»، مشيرة الى «أنّ التجارب تُظهر أنّ جعجع متخصّصٌ في ارتكاب الأخطاء الاستراتيجية كما فعل سابقاً في محطتي «اتّفاق الطائف» و»القانون الأرثوذكسي» على سبيل المثال، وصولاً الى موقفه الحالي من حقّ رئيس الجمهورية في أن تكون له كتلة وزارية».

وتعتبر تلك الشخصية أنّ أسوأ ما في موقف جعجع أنه مبني على حسابات اللحظة الراهنة وانفعالاتها، «في حين أنّ تعزيز حضور رئيس الجمهورية وموقعه، عبر كتلة وزارية وازنة، هو أمر حيوي لا يرتبط بهذا العهد حصراً، ولا بميشال عون تحديداً، بل يعود مردوده على المسيحيين والرئاسة عموماً، وبالتالي ليس جائزاً أن يقارب جعجع هذه المسألة من زاوية اتّفاقه أو خلافه مع عون».

وتستغرب الشخصية إياها كيف أنّ «القوات» كانت تقبل للرئيس ميشال سليمان بما ترفضه الآن للرئيس ميشال عون، «علماً أنّ حصة سليمان تضمّنت حقيبتين سياديّتين آنذاك، بينما يسعون حالياً لانتزاع الحقيبة السيادية الوحيدة الموجودة تحت مظلة عون».