لفت مدير ​المركز الكاثوليكي للإعلام​ الخوري ​عبده أبو كسم​، في كلمة له خلال المؤتمر الصحافي الّذي عقدته اللجنة الأسقفية والأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية في ​لبنان​، في المركز الكاثوليكي للإعلام، بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، للإعلان عن برنامج المؤتمر السنوي الخامس والعشرين للمدارس الكاثوليكية الّذي يحمل عنوان "استمرارية المدرسة الكاثوليكية، شروط وتطلعات"، إلى أنّ "عنوان المؤتمر هو عنوان ملطف، ويمكن أن نطلق تسمية أخرى هي التحديات الّتي تواجه ​المدارس الكاثوليكية​ اليوم والخطة الّتي يجب أن تتبعها هذه المدارس أو المدارس الكاثوليكية لكي تتخطّى الأزمة الكبيرة الّتي تمر بها المدرسة الخاصة بنوع خاص في لبنان، وتحديدًا أيضًا بالنسبة إلينا المدارس الكاثوليكية".

وأشار إلى أنّ "الدولة نجحت في إرضاء الناس ونجحت بوضع الأهل والناس والأساتذة في مواجهة المدرسة الكاثوليكية، لكن طبعًا الكنيسة لن تستسلم فهي أمّ ومعلمة، أمّ تشعر مع الأهل ومعلمة تشعر مع الأساتذة، وتمنياتنا أن يساهم هذا المؤتمر بإنهاء هذه الأزمة وللمدارس الكاثوليكية دوام التقدم والنجاح".

من جهته، ركّز أمين عام المدارس الكاثوليكية في لبنان الأب بطرس عازار الأنطوني، على أنّ "بالفعل نحن أمام تحدٍّ ولكن نحن أمام بقية باقية، نحن أمام تحدّ لأنّ الكثيرين لا ينظرون إلى المدرسة الكاثوليكية تحديدًا إلّا نظرة إقتصادية، في حين أنّنا نحن ننظر إلى المدرسة الكاثوليكية نظرة عاملة على ترفع الإنسان. رجاؤنا أنّ هناك أشخاصًا رهبانًا وراهبات وكهنة مؤمنين ومؤمنات، مصرّون على التعاون مع المدرسة الكاثوليكية من أجل تنشأة أولادهم وتربيتهم"، مبيّنًا أنّ "الصعوبات كثيرة نعم ولكن الأمل كبير، لذلك أحببنا أن يكون هذا المؤتمر الصحافي في قلب المركز الكاثوليكي للإعلام لنؤكّد أنّنا بإسم الكنيسة ومن أجل الإنسان، نحن نعمل".

أمّا رئيس عام جمعية المرسلين اللبنانيين الأب مالك بو طانوس، فنوّه إلى أنّ "بعد مرور 50 سنة على التعليم الحبري وثيقة "ترقي الشعوب" للبابا بولس السادس، الّتي تعطي العالم شكلًا اجتماعيًّا وأخلاقيًّا جديداً، تدعوه إلى العمل للسلام والعدالة والتضامن من خلال الإنتماء المتبادل للشعوب"، لافتًا إلى أنّ "​البابا فرنسيس​ يدعو الكنيسة إلى الخروج إلى كلّ الاطراف، والكنيسة بخروجها تقصّر المسافات، تنزل إلى الأسافل وترافق الإنسانيّة. وهذه الأنسنة المتضامنة تحتاج أن تتحقّق في عالم مليء بالاختلافات والفروقات الثقافيّة ووجهات النظر المتباينة للحياة، وكما أيضًا عالم تعايش المعتقدات المختلفة".

وأكّد أنّ "هذه الوثيقة تقترح الخطوط العريضة للتربية على الأنسنة المتضامنة:

1- أنسنة التربية: أن يصبح الإنسان هو الهدف الأساسي في التربية، النموّ المتناغم للمقدرات الطبيعيّة والأدبيّة والفكريّة لخلق حسّ المسؤوليّة، إكتساب الحريّة الحقّ، التربية في خدمة الحوار والعمل لأجل الخير العام"، مشدّدًا على أنّ "التربية عملية تأهيل الفرد للحياة العامة، وأنسنة التربية تعني وضع الإنسان أوّلًا في صلب التربية، هو محور العلاقات الإنسانيّة. أنسنة التربية تعني أيضًا خلق معاهدة تربويّة بين الأجيال، في العائلة تتأسّس الأنسنة. كما أنّها تعني أبعد من عمليّة التلقين والتعليم، إنّما خلق مساحات للتعاضد واللقاء، تحطيم جدران التقوقع وفتح صفوف المدرسة لحدود الحياة الاجتماعيّة الواسعة حيث التضامن والمشاركة.

2- ثقافة الحوار: الدعوة إلى التضامن تدعو الناس إلى مواجهة تحديات التعايش المتعدّد الثقافات". وركّز على أنّ "للديانات مبادئها وقِيمها، والكنيسة الكاثوليكيّة لا ترفض شيئًا من الحقّ والمقدس لهذه ​الديانات​، فقط من واجبها أن تُعلن صليب ​المسيح​ علامة للحبّ الإلهي الشامل، وترى أنّ صعوبات التضامن في المجتمع تأتي من نقص في التربية على الأنسنة المتضامنة وثقافة الحوار. وثقافة الحوار لا تقوم فقط على تخفيف شعور الغربة، إنّما على الحريّة والمساواة، وتحقيق المبادئ الأدبيّة: السلام والاحترام والديمقراطيّة ببناء جسور بين الشعوب".

3- عولمة الرجاء: يقول البابا بندكتوس السادس "الترقّي هو الإسم الجديد للسلام". عولمة الرجاء هي خلق علاقات في التربية تبني على الحبّ المسيحي. من هنا إستعمال العلوم وتحويلها إلى الإنسان وتحقيق ذاته في الإنسانيّة؛ والتربية المسيحيّة هي في صميم ثقافة الحياة.

4- من أجل تضمين حقيقي: السماح للفرد في أن يشعر أنّه فاعل حقيقي في بناء الأنسنة المتضامنة، السهر على دراسة العلوم لتتطابق مع الأخلاقيّة الإنسانيّة، والنظر بعيدًا إلى الأجيال المستقبليّة". وأوضح أنّ "على مواطن اليوم التواصل مع بني جيله، لكن أيضًا مع مواطني الغد. من هنا يجب بناء ثقافة مؤسّسة على أخلاقيّة عبر الأجيال، على أخلاقيّة مستدامة دون أن ننسى التواصل مع الإرث الأدبي للأجيال السابقة والغني في التاريخ".

وأشار طنوس إلى أنّ "كلّ هذه الأسس للتربية على الأنسنة المتضامنة تضعها الوثيقة في فصل شبكات التعاون، تتحقّق من خلال امور كثيرة أهمها: مجمعيّة المعلّمين، تعاون الطلاب في مجالات الدراسة، ذهنيّة تضامن بين المعلمين والمتعلمين، تشجيع الأبحاث ضمن فريق تعاون بين المؤسّسات الجامعيّة دوليًّا، وتعاون بين المعاهد وعالم المهن والعمل والتجارة"، مؤكّدًا أنّ "الكنيسة من خلال تعاليمها وتوجيهاتها ومبادئها وقيمها هي المساهمة الكبرى في بناء الأنسنة المتضامنة. ولإعطاء روح للعالم، قرّر مجمع التربية الكاثوليكيّة أن يسلّط الضوء على أولويّة "حضارة المحبّة". وتأتي هذه الوثيقة وسيلة مفيدة لخلق حوار بنّاء مع ​المجتمع المدني​ والمؤسّسات العالميّة، ولتسليط الضوء على التربية الكاثوليكيّة وإنهاضها، وخلق عالم مبنيّ على الأنسنة المتضامنة.

بدوره، شدّد مدير مدرسة الأنطونية الدولية ​عجلتون​ الأب اندره ضاهر الأنطوني، على أنّ "الوضع الراهن الّذي تمرّ به مؤسساتنا التربوية نتيجة استحالة تطبيق القانون 46/2017 بأكمله يشكّل تحديًا كبيرًا لاستمرارية التزام هذه المؤسسات بالتكرّس لقضية التربية الّتي تشكّل بعدًا أساسيًّا في مشاركتها في الرسالة الإلهية وفي الخدمة الوطنية والإنسانية"، منوّهًا إلى أنّ "إضافة إلى ذلك هناك الضائقة الإقتصادية الّتي تعصف بكل مكوّنات ​الشعب اللبناني​ والّتي أرخت بثقلها على معضلة تغطية أعباء كلفة التعليم في بلد تقف حكومته المكتفية بالتشريع من جهة واحدة، مكتوفة الأيادي أمام الزامية إعالة الأهلين احترامًا لخياراتهم وصونًا للنظام اللبناني التعددي والحر".

وأوضح أنّ "أمام هذا الواقع وعشية مطلع ​العام الدراسي​ 2018-2019 أرادت الأمانة العامة، ومن خلال إطلاق هذا التفكير الجماعي، وبالاستناد إلى تعاليم الكنيسة، وبخاصة ما ورد في الوثيقة المنوّه عنها أعلاه، أن تجدّد تعهّدها باستمرار خدمتها للمجتمع اللبناني وأن لا تؤمّن الجودة فحسب، بل أن تنكبّ على تأمين الكمال التربوي انطلاقًا من الثوابت والخيارات التربوية الّتي اتّسمت بها منذ قرون. فبالرغم من كلّ الاضطهادات والمحاولات المتعدّدة لتشويه صورتها ولزعزعة الثقة بين مكوّناتها، لم تتوان الكنيسة من خلال مدارسها في تنشئة الإنسان بكل أبعاده وتدريب النّاشئة على حريات بنات الله وابنائه في تربيتهم التّفاعليّة على الحياة الاجتماعيّة والمواطنة".

وأفاد ضاهر بأنّ "أملنا أن يسلّط هذا المؤتمر الضّوء على حقيقة جوهريّة ألا وهي: أنّ خدام المدارس الكاثوليكية، وأعني بذلك المديرات والمديرين من كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيين، ليسوا في مواجهة مع أحد،كما يحلو للبعض تظهير هذا الأمر، بل انّهم يشكّلون صوت الّذين لا صوت لهم انطلاقًا من رعايتهم كافة مكوّنات العائلة التربوية بالرجاء المسيحي المعهود وبالحرص على الحقوق العادلة والمتوازنة للجميع".

وذكّر بأنّ "المؤتمر الأول للأمانة العامة عالج المعضلة ذاتها الّتي يتناولها المؤتمر الخامس والعشرون أي "حرية التعليم" التي تحرص عليها الكنيسة كحرصها على لبنان السيد الحرّ المستقل. ولذا فهي ستبقى تناضل بالإنابة عن الجميع من أجل صون المدرسة كرافعة تربويّة لبلاد ​الأرز​ بالاعتماد على الشهادة المثلثة لقيم الحق والخير والجمال".

في حين أنّ مدير مدرسة المخلص ​جعيتا​ الأب يوسف نصر المخلصي، عرض "برنامج وبنية المؤتمر"، قائلًا: "يسعى مؤتمر المدارس الكاثوليكية الخامس والعشرون الى معالجة الإشكالية المطروحة من خلال الإجابة على السؤال التالي: ما هي الشروطَ التي تضمن استمرارية المدرسة الكاثوليكية في لبنان وما هي المرتكزاتِ التي يقوم عليها مستقبلُ هذه المدرسة؟".