لا جديد في ملف التأليف الحكومي. لا افكار، ولا صيغ، ولا تنقيح أو تطوير للتشكيلة السابقة التي كان قدّمها رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ الى رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، ولا مساعٍ قائمة بين القوى المتسابقة، وتحديدا على خط الرابية-معراب، ولا تراجع عند احد عن السقوف العالية، أو عن المطالب الحقائبية، ولا توسط قائم، ولا عروض حكومية، ولا تنازلات سياسية. جميعها توحي بألاّ شعور داخلياً، بخطورة المرحلة في لبنان والمنطقة.

تلك الخطورة لا تقتصر فقط على المواضيع الاقتصادية الحسّاسة، بل إن عواصم عربيّة وغربيّة، أرسلت الى لبنان مؤشرات سلبية حول احتمالات مالية، وسياسية، وأمنية صعبة مرتقبة، تشكّل انعكاساً لسوء المستجدات الاقليميّة والدوليّة حول الشرق الاوسط، انطلاقا من اصرار الادارة الأميركيّة على فرض "صفقة القرن" بعناوين متعددة، لكن هدفها واحد، ينطلق من التوطين الاجباري للفلسطينيين حيث تتواجد مخيمات الشتات.

هنا يكون لبنان في الواجهة، ويشكّل هدفا رئيساً للخطة الأميركية: لا توطين، يعني لا مساعدات، ولا إكتراث دولياً بالساحة اللبنانية، انطلاقا من اشارة توقف الولايات المتحدة الأميركية عن تمويل "الاونروا". يبدأ العقاب عند هذا الطرح، ويمر بمحاولة إحباط التنقيب عن النفط والغاز، وخصوصا في الحقول الجنوبيّة، واجهاض نتائج مؤتمر "سيدر"، والتضييق الاقتصادي والمالي والسياسي على لبنان.

لا يملك لبنان اوراق قوة يستطيع ان يرفض فيها ورقة التوطين، ولا المقايضة مع العواصم الغربية على ملفات دسمة. تشتت اللبنانيين، وضعفهم، وعدم قدرتهم على تأليف حكومة مواجهة للأزمات، يضع لبنان في مهب الريح.

لكن، هل تدرك القوى السياسية اللبنانية ابعاد تلك الخطورة؟ نعم، كل فريق يتحدث عن مخاطر جمّة تحيط بلبنان، من دون اقدام اي فريق من قوى السباق الداخلي على تقديم تنازلات. علما ان خطة المواجهة السياسية تقتضي التمسك اكثر من اي وقت مضى بحكومة جامعة لا تستثني احدا، تضع جهود الكل على الطاولة. لكن حسابات الربح والخسارة هي التي تشكل مقياس الرفض الداخلي المتبادل، ومكمن سر اللاءات الخطيرة.

الى متى؟ سؤال طُرح على اكثر من مرجعية سياسية، وكان الجواب: لا نعرف، ولا يبدو أن ثمة مؤشرات بإمكانية الاتفاق على صيغة حكوميّة جديدة. ما يعني ان المراوحة السلبيّة مفتوحة. فلن تقتصر المهل على شهر، ولا شهرين، ولا رأس السنة. لا احد يعرف فعلاً موعد حل الأزمة الحكومية: قد يحل الفرج، بعد اسبوع، او بعد شهر، او بعد سنة.

وهل يعني ذلك ان ثمة رغبة سياسية بإفشال العهد وجعله عهد تصريف للأعمال؟ تكتفي مصادر مطّلعة بالقول: ان العهد في عين الاستهداف. لكنها تضيف، انه مسؤول عن عدم التوسط وممارسة الضغوط السياسية على كل المعنيين بتأخر ولادة الحكومة.

لا يمكن للبلد الانتظار الى ما لا نهاية. ويأتي التشريع النيابي المرتقب لحثّ القوى على تسريع الحلول اولا، وعدم تجميد مؤسسات البلد ثانيا، بينما البنود التي سيتم طرحها في جلسة التشريع المنتظرة بعد ايام، هي لا تحتمل مزيدا من التأجيل، وقد عزم رئيس المجلس النيابي نبيه بري على عقد الجلسة، رغم أصوات الاعتراض الخجول رفضا لعقدها من دون وجود حكومة أصيلة. لكن بري لن يتراجع، مستندا الى مواد وقراءات دستورية حول الجلسة النيابية المرتقبة. وقد سبق وتداول بامر الجلسة مع رئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الاعمال.