عاد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ من ​نيويورك​ حيث شارك في إفتتاح الدورة رقم 73 من أعمال الجمعيّة العُموميّة للأمم المتحدة، لكنّه سيُغادر لبنان مُجدّدًا مُنتصف الأسبوع المقبل إلى ​أرمينيا​ للمُشاركة في قمّة المُنظّمة الفرنكوفونيّة التي ستُعقد في "يريفان". وبالتالي إنّ الأسبوع مُهمّ لتحديد إتجاه البُوصلة الحُكوميّة. فهل من مُعطيات تؤشّر إلى قرب عمليّة التشكيل، وماذا عن فرص نجاح الخيارات البديلة مثل "حكومة الأكثريّة"، وكذلك مثل تعويم "حكومة تصريف الأعمال"؟.

لا شكّ أنّ "الكباش" بين القوى السياسيّة الرئيسة في ما خصّ موضوع الحُكومة المُقبلة بلغ ذروته في الأيّام الماضية، حيث تجاوز الأمر مسألة مُعارضة طرح من هنا أو من هناك، إلى العمل على تسويق أفكار بديلة، من شأنها إقصاء جهات سياسيّة أو فتح باب المُراوحة الحاليّة إلى فترة زمنيّة بعيدة.

وبالنسبة إلى ما تردّد من طُروحات يتمّ العمل على تسويقها من خلف الكواليس، عُلم أنّ حزب "القوّات اللبنانيّة" يرفض ما يتمّ تسويقه لجهة حُصوله على منصب نائب رئيس الحكومة من دون حقيبة، أي وزارة دولة مع هذا المنصب المعنوي والذي يفتقر إلى أي سُلطة تنفيذيّة، إلى جانب وزارة واحدة مُهمّة هي ​وزارة التربية​ (بدلاً من وزارة الصحّة التي ستذهب مبدئيًا إلى "​حزب الله​")، إضافة إلى كل من وزارة "الشؤون الإجتماعيّة" التي يُديرها أحد وزراء الحزب حاليًا، و​وزارة الثقافة​ التي ستحصل عليها كوزارة بديلة لوزارة الإعلام لأنّ "التيّار الوطني الحُرّ" يرغب بالحُصول على هذه الأخيرة كونه يريد تغيير المواقع القياديّة في كل من "​تلفزيون لبنان​" و"الوكالة الوطنيّة للإعلام" وغيرها من المواقع التي تندرج ضمن سُلطات وزير الإعلام. ورفض حزب "القوّات" لهذا الطرح يعود إلى أنّه مُواز تمامًا لحصّته الحالية، حيث أنّه يشغل حاليًا منصب نائب رئيس الحكومة إضافة إلى تمتّعه بثلاث حقائب، واحدة منها خدماتية أساسيّة. والتغيير الوحيد سيكون أن يُسمّي حزب "​القوات​" مُباشرة أربعة وزراء، بعد أن كان قد سمّى في الحكومة الأخيرة ثلاثة وزراء مباشرة إضافة إلى وزير حليف. ويُصرّ حزب "القوات" على الحُصول على حصّة وزاريّة مُوازية لتمثيله النيابي الذي تضاعف مُقارنة بما كان عليه الحال عند تشكيل الحكومة السابق، علمًا أنّه مُستعدّ للمُساومة على عدد الوزراء لكن بشرط تعويضه من خلال نوعيّة الوزراء التي ستُمنح له.

وبالإنتقال إلى جانب الحزب "الإشتراكي"، وعلى الرغم ما جرى تسويقه إعلاميًا من أنّه ليّن موقفه بشكل كبير، فهو يرفض كليًا ما تردّد عن منحه وزارتي البيئة التي هي أقلّ من وزارة عادية من دون ميزانيّة كافية للعمل الجدّي، والمهجّرين التي يفتقر صندوقها لأي أموال منذ مدّة. وعُلم أنّ الحزب "الإشتراكي" مُستعدّ للقُبول بوزارتين، وأن يكون المنصب الوزاري الدُرزي الثالث نقطة تقاطع بين أكثر من مرجعيّة سياسيّة، لكن بشرط أن تكون هاتين الوزارتين وازنتين وليس مُجرّد وزارات شكليّة. كما أنّ الحزب "الإشتراكي" يرفض تمامًا أن يؤول المنصب الدُرزي الثالث لأي شخصيّة تنتمي إلى "​الحزب الديمقراطي اللبناني​"، بغضّ النظر عن الوزارتين التي سيحصل عليهما.

وفي المعلومات أيضًا، أنّ زيارة الوزير أكرم شهيّب إلى ​معراب​ في الساعات الماضية، كانت لتجديد التوافق السابق بين "القوات" و"الإشتراكي" بأن لا يتم إستفراد أحدهما، لأن هذا الأمر يعني، إستفراد الطرف الثاني في المرحلة التالية والتي لن تكون بعيدة عندها. وتوافق الطرفان على الحد الأدنى من التنازلات التي يُمكن لكل منهما أن يُقدّمانها.

يُذكر أنّ كلاً من حزبي "القوات" و"الإشتراكي" كانا قد توجّسا من طرح حكومة الأكثريّة والذي جاء من رئيس الجمهوريّة، وقد سارع رئيس "القوات" ​سمير جعجع​ إلى إقتراح تفعيل عمل مجلس الوزراء المُستقيل، وذلك بهدف تسيير شؤون المُؤسّسات والدولة، أسوة بجلسات ​المجلس النيابي​ التي إصطلح على تسميتها "تشريع الضرورة". لكنّ إعادة تعويم الحُكومة غير وارد، لأنّه يلقى مُعارضة شديدة من جانب رئيس الجمهوريّة و"التيّار" إضافة إلى قوى أخرى تعتبره "هرطقة سياسيّة غير دُستوريّة" تهدف إلى السماح بمزيد من المُماطلة على خط تشكيل الحُكومة.

في المُقابل، إنّ إسقاط إقتراح "حُكومة الأكثريّة" يحتاج إلى أكثر من كتلتي "القوات" (15 نائبًا) و"اللقاء النيابي الديمقراطي" (9 نوّاب)، وحتى أكثر من وقوف "​كتلة المستقبل​" معهما (ما لا يقلّ عن 20 نائبًا، وربما أكثر بقليل في حال إلتزام الجميع بتعليمات رئيس الحُكومة المُكلّف). وبالتالي، موقف الكتلة النيابية التي يرأسها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي (17 نائبًا) حاسم لجهة إنجاح هذا الإقتراح من عدمه، لأنّ أي موقف إيجابي سيرفع فرص إنجاح تأمين النصاب القانوني لجلسة الثقة، والعكس صحيح. ويُعول كل من حزبي "القوّات" و"الإشتراكي" على عدم سير رئيس الحُكومة المُكلّف بطرح رئيس الجمهوريّة بالنسبة إلى تشكيل حُكومة أكثريّة لأنّ هذا الطرح يعني الخروج عمليًا عن مبادئ "التسوية الرئاسيّة" التي من دونها لما كان وصل العماد ميشال عون إلى منصب رئاسة الجُمهوريّة، ولأنّ تطبيق هذا الطرح سيجعل الحريري عاجزًا عن الوُقوف بوجه أي مشروع أو أي قرار لا يؤيّده خلال فترة حُكمه، نتيجة إفتقاره لدعم "القوات" و"الإشتراكي". كما يُعوّل كل من هذين الحزبين على ألاّ يُجاري رئيس ​مجلس النواب​ نبيه برّي رئيس الجمهورية بهذا الطرح أيضًا (وربّما غيره من الشخصيّات والقوى والأحزاب الصغيرة المُستقلّة أو المحسوبة ضمن خط قوى "8 آذار")، خشية من أن يتحوّل "التيّار الوطني الحُرّ" عندها إلى قُوّة سياسيّة جارفة لا يُمكن لأحد الوُقوف بوجه قراراتها، بغضّ النظر عن التموضع السياسي العريض للقوى السياسيّة اللبنانيّة. حتى أنّ رهان "القوات" والإشتراكي" يصل إلى الدول الإقليميّة والدَوليّة التي تميل إلى الحفاظ على أجواء التوافق في لبنان، وعلى التوازن السياسي بين مُختلف القوى الأساسيّة، بعيدًا عن العودة إلى مرحلة الإنقسامات الحادة السابقة.

ويُمكن في الختام القول إنّ مسألة تعويم الحُكومة الحالية لن يمرّ، وإقتراح حكومة أكثريّة فرصه ضعيفة، وكل من "القوّات" و"الإشتراكي" رفضا ما جرى تسويقه من طروحات في الأيّام القليلة الماضية، ما يعني أنّ عمليّات "شد الحبال" مُتواصلة، والأمور ستنتقل قريبًا من مرحلة "الكباش" الحُكومي إلى مرحلة "عضّ الأصابع" السياسي الشرس، ما لم يتمّ تقديم تنازلات مُتبادلة في القريب العاجل.