لفت راعي أبرشية ​طرابلس​ المارونية المطران ​جورج بو جودة​، إلى أنّ "المسيح في بداية حياته العلنية في الفصول الخامس والسادس والسابع من ​الإنجيل​ بحسب القديس متى، ما يمكن أن نسمّيه دستور حياة الإنسان المسيحي، ويبدأه بالتطويبات الّتي يعطيها في الوقت عينه بعدًا ماديًّا وبعدًا روحيًّا، فيقول مطوِّبًا المساكين والفقراء: طوبى لفقراء الروح، أي للذين لا يتعلّقون بخيرات الدنيا، بل يعطون الأولوية للأمور الروحية دون أن يهملوا الأمور الزمنية، منفّذين ما سيقوله في ما بعد: لا يمكنكم أن تعبدوا ربين، الله والمال".

وركّز خلال ترؤسه قداسًا إحتفاليًّا، أُقيم في كنيسة سيدة الوادي في بلدة بسبعل- ​قضاء زغرتا​، لمناسبة وصول ذخائر ​القديسة تيريزا​ دو كالكوتا إلى البلدة، على أنّ "في الكنيسة محبّة مميّزة للفقراء، وقد أعطاهم ​السيد المسيح​ الأولوية في إهتماماته، وقال إنّه لم يأت من أجل الأصحاء، بل من أجل المرضى والمحتاجين"، منوّهًا إلى أنّ "المسيح تعامل بروح المحبة والرحمة والمسامحة مع الّذين كانوا يعتبرون خطأة، إن على صعيد حياتهم الشخصية أو على صعيد حياتهم الإجتماعية، كالعشارين والزناة وعبدة المال والمتعاملين مع أعداء الشعب".

وأشار بو حودة إلى أنّ "تاريخ الكنيسة حافل بأمثال هؤلاء القديسين الّذين إستنادًا إلى تعاليم المسيح، كرّسوا حياتهم لخدمة المساكين والفقراء"، موضحًا أنّ "في أيامنا المعاصرة، المثل الواضح والحي هو القديسة الأم تريزيا دي كالكوتا، إبنة العائلة الألبانية الكاثوليكية الّتي كان والدها رجل أعمال ناجحًا يملك شركة للمباني ومتجرًا للأغذية وكان كثير الأسفار ويتقن لغات عديدة، يهتمّ كثيرًا بالسياسة، ملتزمًا دينيًّا وعضوًا في المجلس الرعوي".

وبيّن أنّ "القديسة كانت، منذ طفولتها وبمرافقة والدتها بعد وفاة والدها، تهتمّ بالفقراء وتصلّي المسبحة الوردية، وتشعر بأنّ الله يدعوها لتكريس ذاتها في الحياة الرهبانية، والقيام بأعمال الرحمة والرسالة، فانتسبت إلى راهبات سيدة لوريتو العاملات في ​الهند​"، كاشفًا أنّه "بعد أن لبست ثوب الرهبنة اتّخذت شفيعة لها القديسة تريزيا الطفل يسوع، وتخلّت عن إسمها Agnès لتصير الأخت تيريزا، فأرسلت إلى ​كولومبو​ من ثمّ إلى كالكوتا".

وعن روحانية القديسة تيريزيا، نوّه إلى أنّ "​الأم تيريزا​ روحانية التطويبات كما وردت عند إنجيلي الرحمة، القديس لوقا والتي تقول: طوبى لكم أيها الفقراء لأنّ لكم ملكوت الله، طوبى لكم أيها الجائعون الآن، لأنّكم سوف تشبعون، طوبى لكم أيهّا الباكون الآن، فسوف تضحكون، طوبى لكم إذا أبغضكم الناس ورذلوكم وشتموا إسمكم، ونبذوكم على أنه عار، من أجل إبن الإنسان، إفرحوا في ذلك اليوم وإهتزوا طربا، فها إن أجركم في السماء عظيم، فهكذا فعلوا آباؤهم بالأنبياء"، مؤكّدًا أنّ "الأم تيريزيا جسّدت هذه الروحانية بقولها: إن على أعمالنا أن تكون عمل المسيح نفسه. فهل نستطيع أن نهب الله دون فرح؟ إنّ هذا الإله الّذي يجب أن نعطيه للآخرين هو إله حي، إله حب، وعلى أعمالنا أن تتحدّث إلى قلب الفقراء وتمنحهم حبّ الله. فلا يجوز أن نسمح لأحد بالإبتعاد عنا دون أن يشعر بقرارة نفسه أنه أضحى أكثر سعادة وتحسنا".

وشدّد بو جوده على أنّه "لا يجوز لنا الإكتفاء بإسدائنا الخدمات إليه وحسب، بل علينا أن نخصّ الجميع بقلبنا النابض بالحب، فمرسلات المحبة يعتنين بالجميع دون تمييز وبلا حدود لرسالتهن. إنّهن يتفانين في خدمة البشر الأكثر حرمانًا، بأولئك الّذين يرفضهم ذووهم، أو يعانون من احتقار الآخرين أو يعيشون على هامش المجتمع. هذا ما عاشته الأم تيريزا في حياتها الشخصية، وما دعت بناتها إلى عيشه، بكلّ بساطة وفاعلية، فاحترمها الناس كبارًا وصغارًا وبصورة خاصة البابا القديس يوحنا بولس الثاني".