لفت عضو كتلة "المستقبل" النائب ​سمير الجسر​، الى أن "هناك تزايدا للعرض في العمالة يقابله نقص في الطلب، بل هو نقص متماد نتيجة الإنكماش ​الاقتصاد​ي الذي تسببت به عوامل كثيرة في مقدمها ربيع العرب وتداعياته السياسية والأمنية وحتى الإقتصادية على لبنان فضلا عن أن هناك أزمة اقتصادية في العالم ويكاد يكون الاقتصاد الأميركي هو الاقتصاد الوحيد المتفلت من الأزمة بل يشهد نموا مضطردا. ان تزايد عرض العمالة، سواء تلك الناتجة من النمو الطبيعي للسكان أو تلك الناتجة من عودة القوى اللبنانية العاملة، التي كانت منتشرة في ​العالم العربي​ الى لبنان، نتيجة التردي الإقتصادي المتولد عن اقتصاد الحرب في المنطقة، لا يقابله أي تزايد في فرص العمل بل على العكس هناك تقلص بفرص العمل ناتج من الإنكماش الاقتصادي وهذا يساوي بطالة متفاقمة".

وفي كلمة له في افتتاح مؤتمر "​البطالة​ وفرص العمل الكامنة في ​طرابلس​ والشمال"، تطرق الى حجم البطالة في لبنان وفي طرابلس تحديدا، قائلا: "على ما يبدو هناك تضارب في الأرقام، فكانت الأرقام الرسمية تتكلم عن نسبة 11% في العام 2011 وأنا أعتقد أن النسبة تجاوزت الثلاثة أضعاف. وفي طرابلس يفترض أن تكون تجاوزت 30% إذا كانت أرقام ​الفقر​ تتجاوز 50% من السكان. في كل الأحوال لا بد من مسح شامل وليس مسح عينات ولا بد من مسح يطاول البطالة المقنعة التي على ما أعتقد نادرا ما يجرى إحصاؤها".

ورأى أنه "في الخلفية السياسية للبطالة في طرابلس، في اختصار هناك السياسة وهناك السياسات. أما عن الخلفية السياسية لأزمة البطالة فسأكتفي بذكر ثلاثة قرارات أو أحداث سياسية كانت سببا في البطالة وتفاقمها. أولا، سياسة القطيعة في العام 1950 التي كانت من نتيجتها إقامة حواجز جمركية بين لبنان و​سوريا​. والبر السوري كان مجالا حيويا إقتصاديا لطرابلس ومرفأها فتضررت طرابلس كثيرا، إذ أدى ذلك الى تقلص في الحياة الإقتصادية فيها. ثانيا، الحرب الأهلية اللبنانية بتداعياتها على المدينة أدت الى خسارة طرابلس لبعض من أهلها وأدت أكثر من ذلك الى انكفاء أهل المحيط من الأقضية السبعة المحيطة بطرابلس عن المدينة التي كانت سابقا مقصدهم في أسواقها ومدارسها ومستشفياتها ومراكز الإدارات العامة منها. يضاف الى ذلك أن امتداد أمد الحرب دفع بالمحيط الى إيجاد بدائل من هذه السوق داخل الأقضية نفسها. رافق ذلك نزوح سكاني جديد ومن نوع مختلف، وبالذات من قرى الضنية والمنية وعكار، من غير الميسورين والذين لا يملكون شيئا في قراهم عسى أن يجدوا فرص عمل في المدينة".

وأضاف: "بالنسبة إلى استعمال طرابلس صندوقا سياسيا حارا، بعد استشهاد الرئيس الحريري واحتلال بيروت وأثناء لقاء ​الدوحة​، استعملت المدينة كصندوق سياسي حار لفرض تغييرات سياسية في لبنان. وجرت معاودة الكرة نفسها في زمن ربيع العرب والاقتتال الذي جرى في طرابلس من خلال 23 جولة على مدى ثلاث سنوات، ما أدى الى انقطاع المحيط عن المدينة بسبب الوضع الأمني الذي أرخى بظلاله على ​الوضع الاقتصادي​ وعلى صورة المدينة والمؤسسات التجارية والصناعية التي انكمشت دورتها مما رفع وفاقم مستوى البطالة".

وعن انعدام السياسات قال: "السياسات هي دورة أو طريقة عمل محددة مختارة من بين بدائل عديدة وفي ضوء شروط معينة لتوجيه وتحديد القرارت المستقبلية، وهي تصلح لاعتمادها في قطاع اقتصادي إنمائي اجتماعي تربوي. طبعا نسمع كثيرا عن مسح ودراسات قامت بها ​الأمم المتحدة​ ومؤسساتها و​الاتحاد الأوروبي​ و​البنك الدولي​، ولكن وبحسب علمي لم ترسم أي سياسات لمعالجة الأوضاع من كل جوانبها. ولكن ليس هناك سياسات لا من الدولة ولا من هذه المؤسسات".

وبالنسبة إلى الخلفية القانونية قال: "القانون مجموعة قواعد آمرة ناظمة تنطبق على الجميع وتحدد بموجبه الحقوق والواجبات لكل شخص. ليس هناك من قانون يشرع للبطالة ولكن ممكن أن تكون البطالة أثر من الآثار السلبية لقانون ما.

مثلا قانون زيادة ​الضرائب​ في زمن معين وخصوصا في زمن الأزمات الاقتصادية من شأنه أن يبعد المستثمرين ويزيد في حال التردي الاقتصادي. وقانون زيادة الضرائب في زمن الرخاء ممكن أن يمتص جزءا من الفائض النقدي الذي من شأنه لو بقي في السوق أن يفاقم حال التضخم. لم تشرع قوانين من شأنها أن تزيد في حال البطالة في طرابلس، لكن هناك قوانين لتشجيع الاستثمارات صدرت في مطلع الستينات تعفي من ضريبة الدخل على المشاريع التي تقام بعد مسافة 10 كيلومترات عن شاطىء البحر، بمعنى آخر أستثني كل الساحل، طرابلس وجونية وبيروت وصيدا وصور، واستفاد من القانون كل المشاريع التي أقيمت في الجبل بعيدا من الشاطىء أكثر من 10 كيلومترات".

وأكد أن "طرابلس لم تستفد من القانون في حين استفادت منه مناطق أخرى وهذا الأمر أدى الى إبعاد المستثمرين وحتى الطرابلسيين منهم عن الإستثمار في طرابلس. هناك تشريع آخر صدر مع قانون ​سلسلة الرتب والرواتب​ وهو قانون تأمين الموارد لتغطية السلسلة. وهذا القانون عام ويشمل كل لبنان وليس طرابلس فقط. لكنه صدر في زمن الانكماش الاقتصادي 2017 ولفت اليه أثناء المناقشة في ​مجلس النواب​ وإن من شأن هذا القانون أن يبعد الاستثمارات، ولكن هاجس تأمين الموارد لتغطية السلسلة كان غالبا على الأمر".