تستمر عجلة عملية ​تشكيل الحكومة​ في الدوران، وتتراوح بين الدوران دون حراك (على غرار دواليب الهواء)، ودوران يجعل المسار يتقدم خطوة او خطوات الى الامام دون ان تصل الامور بعد الى خط النهاية. عقبات خارجيّة، واخرى داخليّة، واخرى بسبب الاحجام، ومعوقات الاسماء، ومشكلة الحقائب... كلها معطيات يتم الحديث على انها المعرقل الاساسي للتأليف، وهي مواضيع ملموسة لا يمكن نكران تأثيرها او دورها في عدم ابصار الحكومة النور حتى الآن.

ولكن كل هذه الاسباب تدور حول فلكين اساسيين، هما بمثابة محور العرقلة الاساسي للحكومة العتيدة: الثلث الضامن، والطاقة و​النفط​. في مسألة الثلث الضامن، المعضلة سياسيّة ومتشعّبة، فالامر ليس متوقفاً فقط عند اعطاء هذا العدد لتيار او حزب واحد، بل ان يتم وضعه في يد مجموعة متحالفة قادرة على ايقاف مشاريع وقرارات على الحكومة اتخاذها، وهذا القلق اساسي لأنّ تشعباته اقليميّة ودوليّة ولا تقتصر على الشق المحلي فقط. طبيعي الا يكون الحديث في هذا المجال، عن قرارات مصيريّة في المنطقة يتّخذها ​لبنان​ او على مستوى عالمي، فدور لبنان يكاد يكون محصوراً بمتابعة شؤونه اليوميّة وهمومه العديدة من سياسيّة واقتصاديّة وامنيّة وماليّة... ولكن المقصود الا يهتزّ "ميزان القوى" السياسي في هذا البلد، فكما ان هناك "ميزان قوى" عسكري في المنطقة (يحرص الخارج دائماً على ابقائه لصالح اسرائيل من خلال نوعيّة ​الاسلحة​ والتقديمات والهبات العسكريّة والماليّة...) لا يجب ان يتم كسره لانه يحظى برعاية دول كبرى، كذلك لا يجب كسر "ميزان القوى" السياسي اللبناني لانه دائماً تحت المجهر الاقليمي-الدولي، واي خلل فيه من شأنه ان يعيد الامور الى نقطة البدايّة ما يؤثر على الوضع العام في المنطقة انطلاقاً من لبنان. ولعل هذا هو السر وراء عدم اعتماد التصويت في ​مجلس الوزراء​ عند حصول خلافات في الآراء والتقييم لمشاريع مطروحة (ما عدا مرات قليلة لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة)، وبالتالي لا خوف من مشكة التصويت، فيما يبقى الخوف من مشكلة الاستقالة ولو انها حالياً غير مطروحة بسبب الاوضاع الاقليميّة والدوليّة السائدة لان فرط عقد الحكومة يعني الا وجود لمناورات وان "الاضطراب السياسي" قد حظي بضوء اخضر.

اما على جبهة النفط والطاقة، فلا يخفى على احد اهمية هذين القطاعين، حيث يتنافس الجميع لوضعهما في خانته وتحقيق سابقة لم يعهدها لبنان في تاريخه الحديث لجهة ​الكهرباء​ و​المياه​ (اذا توافرت على مدار الساعة)، وفي تاريخه العام لجهة النفط وما يعنيه من اهمية مالية واقتصادية يمكن الاستفادة منها اذا صفت النوايا وتضافرت الجهود من اجل لبنان، وتفضيل المصلحة العامة على المصلحة الشخصية. ولكن العقبات في هذا المجال لا تعد ولا تحصى، والعرقلة يمكن ان تحصل من قبل الجميع فأي تيار او حزب قادر على ايقاف المشروع وتقديم صورة قاتمة عنه الى الناس، ووجوده الالزامي في الحكومة و​مجلس النواب​ (وفق ما تفرضه الميثاقية) كفيل بتحقيق هذا الغرض، فتتوقف الامور او تُفتح مزاريب المصاريف والهدر، ويبقى اللبنانيون على بعد خطوات قليلة فقط من تحقيق أمر بات في متناول الجميع في مختلف انحاء العالم.

وعليه، لا يجب التفكير كثيراً بأن الامر مقتصر على وزارة من هنا او اسم من هناك، اذ يمكن لاي وزير تعطيل الحكومة اياً تكن الوزارة التي يستلمها ومهما كان نوعها سيادية كانت ام اساسية، وقد لمسنا هذا الموضوع في الحكومات المتعاقبة على مرّ السنوات، وهو الثابتة الوحيدة في مجالس الوزراء مهما تغيّرت العهود واسماء الوزراء وحقائبهم. انهما نقطتان تثيران القلق عند تكشيل الحكومة، ومتى تم تخطّيهما بعد التفاهمات والمشاورات والمساومات والضمانات اللازمة، تكون الحكومة قد أنهت فترة عذاب في المخاض الاليم.