مفاجئاً لكثيرين ربما، بدا موقف ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ من "العقدة السنية" التي تصطدم بها ​الحكومة​، ليس لرفضه توزير "سنّة المعارضة" واعتبارهم بشكلٍ أو بآخر كتلة "مصطنعة"، ولكن لانتقاده ضمناً حليفه الأول، "​حزب الله​"، ولو من دون أن يسمّيه، بحديثه عن "خطأ في التكتيك".

ولكن، لماذا قرّر عون "التمايز" علناً عن الحزب وبهذا الشكل؟ هل صحيح أنّه يستشعر محاولة لـ"إحراجه" من الحزب عبر تقليص كتلته الوزارية من خلال "التضحية" بمقعدٍ منها لصالح هؤلاء السنّة، المسمّين "مستقلّين"، فيما هم ينتمون إلى كتلٍ سياسيّة واضحة الولاءات والانتماءات؟.

وأبعد من ذلك، لماذا لم يلجأ رئيس الجمهورية إلى قنوات التواصل المشتركة مع الحزب لإيصال "رسائله"؟ وهل يمكن أن يكون للأمر أيّ علاقة بالضغوط على الحزب، والعقوبات المتوقعة عليه، والتي يقال إنّ المختلف فيها أنّها ستشمل "أصدقاءه"؟!

أكثر من عصفور بحجر

لا شكّ أنّ رئيس الجمهورية أراد من خلال موقفه من "سُنّة المعارضة" أو "السُّنّة المستقلّين" ضرب أكثر من عصفور بحجرٍ واحدٍ، وبالتالي تحقيق سلسلة من الأهداف التكتيكيّة والاستراتيجيّة، يتصدّرها من دون نقاش مؤازرة رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ في موقفه، من دون أن يصل إلى حدّ ضرب علاقته مع "حزب الله".

ولعلّ رسائل "الثناء" المتبادلة بين عون والحريري تزامناً مع ذكرى مرور عامين على انطلاقة "العهد" تفسّر الكثير عن موقف رئيس الجمهورية، الذي لم يخرج صدفةً بعد رفع الحريري السقف عالياً، واعتباره توزير "سُنّة المعارضة" من حصّته خطاً أحمر، بل ذهابه إلى حدّ التلويح بـ"الاعتذار"، الذي لم يتردّد الكثير من "المستقبليّين" في القول إنّ الحريري يفضّله على خطوة "انتحارية" كالتي يدفعه نحوها "حزب الله".

من هنا، أراد عون توجيه رسالة دعم ومؤازرة للحريري تختزن الكثير من المعاني، وما إصراره على ضرورة أن يكون رئيس الحكومة "قوياً" سوى "الزبدة" منها، خصوصاً بعد شعور الحريري بمحاولة "استقواء" عليه أو "استضعاف" له، لفرض "أمر واقع" عليه لا يمكن لبيئته الحاضنة أن تتحمّله، ولو تحمّله هو شخصياً. ولعلّ ردّة فعله التي تمظهرت في الساعات الأخيرة من خلال سفره المفاجئ، الذي يمكن اعتباره "اعتكافاً غير مُعلَن"، حملت بحدّ ذاتها "رسالة" إلى كلّ من يعنيهم الأمر، مفادها دعوة للآخرين إلى حلّ "العقدة المستجدّة" التي افتعلوها، رسالة استمدّت "قوتها" على الأرجح من دعم عون.

لا للأمر الواقع

لكن، إلى جانب مساندة الحريري، لا شكّ أنّ موقف عون العلنيّ والواضح حمل رسالة واضحة أيضاً من كلّ ما يُحكى في الكواليس السياسيّة حول أنّ حلّ العقدة المستجدّة هو "في جيب" رئيس الجمهورية شخصياً، وأنّه قادرٌ على حلّها بتوزير شخصية سنيّة مستقلة ضمن حصّته، وأنّ "حزب الله" لن يرفض مثل هذا المَخرَج، بل إنّه يدفع باتجاهه بشكلٍ أو بآخر.

وبمُعزَلٍ عمّا إذا كان من الممكن أن يستجيب عون لمثل هذا "السيناريو" في النهاية، في حال قرّر العاملون على خط "العقدة السنية" الذهاب في تصعيدهم حتى النهاية، أو أن يتمّ اللجوء إلى حلول وسط مستوحاة من طريقة حلّ "​العقدة الدرزية​" على سبيل المثال، فإنّ عون أراد بموقفه من دون شكّ، توجيه رسالة رافضة لمحاولة فرض أيّ أمرٍ واقعٍ عليه، على طريقة "إحراجه" كما هو حاصلٌ اليوم.

ولا شكّ أنّ موقف عون يأتي أيضاً ليعبّر بشكلٍ أو بآخر عن رفضه بل امتعاضه ممّا يُحكى عن محاولةٍ لـ"منع" الرئيس مع "​التيار الوطني الحر​" من الحصول منفردَين على "الثلث المعطل" في الحكومة، بعدما رست حصّتهما على 11 وزيراً باعتبار أنّ الوزير الدرزيّ الثالث سيكون عملياً من "حصّة الرئيس"، وأنّ "حزب الله" من يقود هذه الحملة من خلال الدفع نحو تسمية الرئيس أحد سُنّة "​8 آذار​" ضمن حصّته.

ولعلّ ما يزيد الطين بلّة على هذا الصعيد أنّ الأسماء المطروحة تحت عنوان "السنّة المستقلّين" لا تمتّ إلى "الاستقلاليّة" بصلة، وإن كان يجمع بينها الخروج من عباءة "​تيار المستقبل​"، خصوصاً أنّ لكلّ من الشخصيات المنضوية في ما سُمّي بـ"اللقاء التشاوري السنّي" ولاءاتها المعروفة، بل إنّ أكثر ما يحزّ في نفس عون أنّ الاسم الأكثر تداولاً، والذي يُطرَح عليه توزيره ضمن "حصّته"، أي الوزير ​فيصل كرامي​، سبق أن "بايع" خصمه رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، بل انضمّ إلى كتلته النيابيّة، ولو كان الأخير يبقى من الأسماء التي لا "تستفزّ" الحريري بأتمّ معنى الكلمة، وتحظى بالقبول لدى عون.

لا تعليق!

بهذه المقاربة البسيطة، ينظر رئيس الجمهورية إلى الأمر. قد "يتفهّم" موقف "حزب الله" لجهة "الوفاء للحلفاء"، هو الذي جرّبه مراراً وتكراراً، ولكنه لا يتفهّم "التشبّث" بالموقف، لحدّ "التفريط" بعلاقته "الضرورية" مع رئيس الحكومة، بل بالحكومة عن بكرة أبيها.

من هنا، أراد عون من "التمايز العلني" مع "حزب الله"، إنقاذ هذه العلاقة مع الحريري ومنعها من الانهيار، وتكريس "الشراكة" التي بناها مع الأخير، والتي ستكون "مفصليّة" في السنوات المقبلة من "العهد"، التي يريدها نموذجاً في كلّ شيء، فضلاً عن كونه يعتقد أنّ المزيد من التأخير في تأليف الحكومة بعد حلّ العقد الأساسية هو "​الانتحار​"، خصوصاً في ضوء المخاطر الاقتصادية التي يئنّ الوطن تحتها والتي لم تعد خافية على أحد.

وسط كلّ ذلك، شيءٌ واحدٌ يبقى أكيداً، لا يكمن في أنّ العلاقة بين عون و"حزب الله" لن تهتزّ نتيجة ما حصل فحسب، بل في إجماع الطرفين على أنّ الربط بين موقف عون "اليتيم" من "سُنّة المعارضة" والعقوبات المفترضة على "حزب الله"، لن يجد أيّ صدى لدى أحد، وأنّه لا يستحقّ التعليق من قريب أو بعيد!.