يستيقظ كعادته منذ زمن من النوم باكراً، على الرغم من مشاغله الكثيرة يحاول ان يرتشف قهوته بهدوء في الوقت نفسه يشاهد التلفاز يلاحظ بان اخبار البلد لم تتبدل منذ اكثر من ثلاثة اشهر، محاولات تاليف حكومة تصطدم بمطالب ومطالب مضادة، اكثر ما كان يضحكه في هذه المعمعة تكرار استعمال كلمة عراقيل بمناسبة ومن دونها... كان يعجب لصبر الاعلاميين على هذا الروتين في تغطية احداث مملة ومتكررة وقدرتهم على التكيف معها الا ان عجبه سرعان ما كان يبدده بمقولة " ضرورات المهنة وموجبات العيش..." دخل ليأخذ حمامه الصباحي، ليتافجأ وهو في عزه بانقطاع المياه والصابون يغطي شعره وجسده صاح بزوجته لتمده ب​مياه الشرب​ الباردة كي يكمل حمامه حمد ربّه بان الجو ما زال دافئاً وبانه بدل غالون مياه الشرب قبل ان ينام... أكمل لبس ثيابه سريعاً مودعا زوجته، وقبل ان يصعد الى سيارته حاول ان يراجع ناطور البناء ليعرف منه سبب انقطاع المياه، فقال له الاخير ضاحكا بخبث بان "مياه المصلحة مقطوعة منذ اسبوعين" و"سيترن" المياه تأخر عن المجيء بسبب الضغط وكثرة الطلب ربما يستطيع ان يؤمن حمولة نقلة واحدة ويفرغها اليوم ظهرا. قبل ان ينطلق سلمه الناطور الفاتورة الشهرية للمولد الكهربائي المرتفعة الى /150/د.أ. عن اشتراك 10 أمبير، رسم اشارة الصليب على وجه متمتماً صلاة الصبر، وانطلق الى عمله... كانت زحمة السير خانقة صحيح انه كان يعلق يوميا بها ولكنها كانت اليوم في اوجها، راح يقلب محطات الراديو ليدرك سبب العجقة وكأن القيامة على الابواب... خاف ان يكون هنالك قطع للطرقات احتجاجا على ​انقطاع الكهرباء​ والمياه او رفضا للغلاء الفاحش الذي لم يعد يطاق ولكن لم يصدر امرا استثنائيا من هذه المحطات... تذكر وهو في ذروة قلقه ان السماء قد انعمت فجرا على وطن الارز بزخات من المطر هي الاولى لهذه ​السنة​ وعلى الارجح بل من المؤكد انها السبب الاساسي لهذا الازدحام... تنفس الصعداء وفتح شباك سيارته فشعر بصدره يمتلىء ب​رائحة كريهة​ وغريبة تذكر بان ​الحكومة​ لم تجد حلا للنفايات المرمية في الشوارع او في ​المكبات​ العشوائية وحتى تلك التي ترمى في مكبات "شرعية" لا يتم معالجتها، بسرعة اقفل الشباك وحاول ان يتأمل البحر الممتد من عن يمينه فلم يستطع ان يرى الا بنايات شاهقة وقبيحة تفصل بين ​الطريق البحرية​ وزرقة المياه... لم يدري كيف وصل الى مكتبه متاخراً ساعة عن موعد كان قد اعطاه سابقاً لاحد الزبائن الذي لم يكن ايضا قد وصل الى الاجتماع... عاجلته السكرتيرة بكومة من الفواتير والمستحقات المالية... واعلمته بضرورة ان يتصل باحد الزبائن الذي قرر اقفال مكاتبه في ​بيروت​ نهائيا وان يهاجر الى كندا حيث تعيش عائلته... طلب منها ان تخرج وتقفل الباب ورائها وراح ينظر من النافذة الى فراغ داخل الفراغ وكأن الاخير يستعد ان يبلعه...