التَّجربة الصِّينيَّة غنيَّةٌ في مجال ​محاربة الفساد​ وإِعادة بناء اقتصادٍ لا تنخُر عظامه فيروسات إِهدار المال العامِّ. غير أنَّ الصِّين تشكِّل حالاً، وإِنْ عظُم شأنها، من حالات الإِرادة القويَّة لمكافحة الفساد. وثمَّة تجاربُ أخرى لبلدانٍ مُختلفةٍ سنعرِض لها تِباعًا لاحقًا، علَّنا نتَّعظ في ​لبنان​، ونُخطِّط لآليَّة مُحاربة الفساد المُستشري، ونرسم خارطة طريقٍ له. وهذا ما يَدخل في استراتيجيَّات مُحاربة الفساد. ومن الخُطوات الَّتي أَولتها الصِّين أَهميَّةً في هذا المجال، الحفاظ على النُّموِّ الاقتصاديّ وقد كان معدَّله آنذاك 5،6 في المئة، على أَنْ تتمَّ المحافظة على المُعدَّل المَذكور طيلة عقدٍ من الزَّمن، إذا ما أَرادَت الصّين تحسين ظُروف حياة مُواطنيها. ومِن ثمَّ كان التَّركيز على إِصلاح شركات الدَّولة، بدلاً من خصخصتها كما كان الحديث قائمًا في بيجين آنذاك... ذلكَ لأنَّ المُشكلة في خسائر تلك الشَّركات ذات وجهين: الأَوَّل الفساد، والثَّاني هو سوء الإِدارة. وأمّا الحلُّ فيكمن في تحسين نظام الإدارة، والتَّخلُّص من الشَّركات الَّتي لا يُمكن إِصلاحها، مع الإِشارة إِلى أَنَّ الشَّركات العامَّة لَطالما كانَت تَحظى بالقُروض والتَّمويل الهائلِ من الحكومة الصِّينيَّة... وبالتّالي فقد بات على هذه الشَّركات أَنْ تندرج في الإِطار الوطنيِّ العامِّ للتَّنمية وأَنْ تُساهِمَ في تحقيق "الأَهداف المركزيَّة".

وقد بدت لافتةً مقالةٌ نشرتها "غلوبال تايمز" بعنوان: "التَّعديل الدُّستوريُّ يَستجيب لعهدٍ جديدٍ"، تقول فيها: "منذ تولِّي ​شي جين بينغ​ الأَمانة العامَّة للحزب في 2012، فإِنَّ فريق الحكم الجديد... سارع تحت قيادته إِلى ترسيخ إِصلاحاتٍ بطريقةٍ شاملةٍ". وفي مسعًى للرَّدِّ على الانتقادات الغربيَّة، كتبت أَنَّ "بعض الأَجزاء الأَساسيَّة في نظام القيم الغربيِّ بدأت تنهار. الدِّيموقراطيَّة الَّتي تتمُّ مُمارستها في مجتمعاتٍ غربيَّةٍ لمئات السِّنين، تتقرَّح". وأَضافت: "لا يمكن الصِّين أَنْ تتوقَّف لأَخذ استراحةٍ... يجب أَلاَّ يُقاطعنا العالم الخارجيُّ، وإِلاَّ خسرنا الثِّقة، في وقتٍ يزداد الغرب احتراسًا تجاه الصِّين". لذا فقد عملت الصِّين على تَعزيز مُكافحة الفساد كي تستطيعَ مُواجهة الغَرب وهي قويَّة من الدَّاخل. ومن هُنا بادرَت إِلى تكليف "لجان إِشرافٍ"

جديدةٍ، وطنيَّةٍ ومحليَّةٍ، "العمل على مُحاربة الفساد إِلى جانب اللَّجنة المركزيَّة لفحص الانضباط للحزب الشُّيوعيِّ". كما وعيَّن "مجلس الشَّعب" (البرلمان) نائب الأَمين العامِّ للَّجنة يانغ زايادو رئيسًا لـ "لجنة الإشراف الوطنيَّة".

وكان أَحد قادة الحزب قال أثناء انعقاد جلسة البرلمان إِنَّ "سلطات محاربة الفساد مُشتَّتة"، مشيرًا إِلى أَنَّ "الهيئة الجديدة ستتمكَّن من توحيد الجهود في هذا المجال والاستفادة منها". غير أَنَّ "المجموعات الحقوقيَّة" خَشيت حينها، من أَنْ "تُضفي الهيئة الجديدة طابعًا مؤسَّساتيًّا على بعض المشاكل الَّتي أَدت إلى انتهاكاتٍ في حقِّ المُشتبه بهم، أو حتَّى تعذيبهم، في ظلِّ زيادة عدد الأَشخاص الموضوعين في نطاق صلاحيَّاتها في شكلٍ واسعٍ"، وفي هذا السِّياق، أَدرج المُشرِّعون لجان الإِشراف الجديدة، في الدُّستور الصِّينيِّ.

واعتمدت حرب الصِّين على الفسادِ في شكلٍ كبيرٍ على نظامٍ قضائيٍّ مُبهمٍ، يَستخدم وسائل غير مشروعةٍ، معروفةً باسم "شوانغي"، وهي تسمح للمُحقِّقين بتوقيف أَعضاء الحزب في مراكز اعتقالٍ غير رسميَّة إِلى حين "اعترافهم" بالفساد. وقد توفِّي 11 شخصًا على الأَقلِّ خلال توقيفهم في إِطار إِجراءات "شوانغيي" بين عامي 2010 و2015، وَفقا لتقريرٍ صدر عن مُنظَّمة "​هيومن رايتس ووتش​" في 2016. غير أَنَّ الصِّين الماضية في إِصلاحاتها، تعهَّدت العام الماضي بأن يتمَّ "التَّخلُّص تدريجيًّا من هذا النِّظام واستبداله". ولاحقًا نَصَّ القانون الصِّينيُّ الجديد على "شكلٍ جديدٍ من أَشكال الاعتقال" يُدعى "ليوجي". ويَفرض نظام "ليوجي" إِبلاغ عائلات المُشتبه بهم في غضون 24 ساعة باعتقالهم، إِلاَّ عندما يكون ثمَّة احتمالٌ أَنْ يتسبَّب ذلك في "عرقلة التَّحقيق". غير أَنَّ حتَّى هذا النِّظام لاقى اعتراضًا، فقد اعتبر رئيس "لجنة الإِشراف في شيغيانغ" ليو جيانشاو أَنَّ "المشتبه بهم يقضون ما مُعدَّله 42 يومًا ونصف اليوم قيد الاعتقال، قبل أَنْ يتمَّ تحويلهم إِلى النِّظام القضائيِّ الجنائيّ". لكنَّ الصِّين قد سعت دومًا إِلى تنقية أَجهزتها الرِّقابيَّة والقضائيَّة من كلِّ شائبةٍ، بدليل أَنَّ الحملة على الفساد، قد أَطاحَت بقادةٍ في الحزبِ الشُّيوعيّ من كلِّ المُستويات. وللحديثِ صلة.