منذ ​إتفاق الدوحة​ في العام 2008، برزت على الساحة المحلية "معضلة" المهل التي تتطلبها عملية تشكيل الحكومات، ما دفع بالكثيرين إلى طرح تعديل الدستور، بهدف تحديد مهلة زمنيّة لرئيس الحكومة المكلف، يكون عليه إنجاز مهمته خلالها، وإلا تعود "وكالة" التكليف، التي منحت إليه، إلى المجلس النيابي، إلا أن هناك العديد من "العراقيل" التي تحول دون ذلك، خصوصاً أن هناك من يعتبر الأمر "مساً" بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف.

في هذا السياق، من الضروري المقارنة بين المهل، التي كان يتم خلالها تشكيل الحكومات، قبل إتفاق الدوحة وبعده وبالتحديد بعد العام 2005، على أساس أن البعض يعتبر أن الدور السوري، قبل ذلك، كان هو العامل الحاسم على هذا الصعيد، حيث أن تشكيل حكومة ​نجيب ميقاتي​ الأولى تم خلال 5 أيام، بينما ولادة حكومة ​فؤاد السنيورة​ الأولى، التي جاءت بعد ​الإنتخابات النيابية​ في العام 2005، كانت خلال 20 يوماً، والأمر نفسه ينطبق على حكومة فؤاد السنيورة الثانية، التي جاءت بعد إتفاق الدوحة، حيث تمت الولادة خلال 45 يوماً، إلا أن الإتفاق حولها تم مسبقاً في العاصمة القطريّة، في حين أن العقدة الوحيدة التي برزت كانت مسألة توزير الراحل ​علي قانصو​.

بعد ذلك، يمكن الحديث عن 4 حكومات: ​سعد الحريري​ الأولى (135 يوماً)، نجيب ميقاتي الثانية (140 يوماً)، ​تمام سلام​ (315 يوماً)، سعد الحريري الثانية (46 يوماً)، إلا أن ما ينطبق على حكومة فؤاد السنيورة الثانية، التي تم الحديث عنها في الأعلى، ينطبق على الأخيرة، حيث كان الإتّفاق مسبقا على توزيع الحصص فيها نتيجة التسوية الرئاسيّة، بينما العقدة الوحيدة التي برزت كانت الحقيبة التي سيحصل عليها تيار "المردة".

من وجهة نظر مصادر قانونيّة، المشكلة الأساس تكمن بالدور الذي أعطاه إتفاق الدوحة للكتل النيابيّة في عمليّة ​تشكيل الحكومة​، حيث باتت تمتلك القدرة على إستخدام "الفيتو" لعرقلة ولادتها، في حال لم تكن راضية عن حصّتها فيها، نظراً إلى الإلتزام بمعيار حكومة الوحدة الوطنية من جهة، والتوازنات السياسيّة القائمة في البلاد من جهة ثانية، في حين أن الدستور ينص على أن هذه المهمة من صلاحيات رئيس الحكومة المكلف، بالإتفاق مع رئيس الجمهورية الذي يتولى الشراكة معه بالتوقيع على مرسوم التأليف، وبالتالي الخلاف بينهما حول هذا الأمر يحول دون أن تبصر النور.

بالنسبة إلى دور الكتل النيابيّة، توضح هذه المصادر، عبر "النشرة"، أن الدستور يحدّد هذا الدور من خلال الإشارة إلى أن الإستشارات التي يجريها رئيس الحكومة المكلّف معها غير ملزمة، على عكس تلك التي يجريها رئيس الجمهورية مع الكتل لتسمية رئيس الحكومة، والتي تكون ملزمة، وبالتالي من المفترض أن يكون دورها مقتصرا، في حال كانت مشاركة، على القبول والدخول فيها أو الرفض والخروج منها، وهذا الأمر يترجم عملياً من خلال الثقة، التي تمنحها لها أو تحجبها عنها، في المجلس النيابي.

مما تقدم، بحسب ما تؤكّد المصادر نفسها، رئيس الحكومة المكلف غير ملزم بالأخذ بما تطرحه الكتل النيابيّة من شروط أو مطالب، على عكس ما هو الواقع اليوم، حيث باتت الكتل شريكاً أساسياً في التشكيل، على حساب صلاحيّات كل من رئيس الحكومة المكلّف ورئيس الجمهوريّة، فهي التي تسمّي الوزراء، بغض النظر عن رأي رئيس الحكومة المكلّف ورئيس الجمهوريّة، وهي التي تختار الحقائب التي ستحصل عليها، بعد الأخذ بعين الإعتبار التوازنات الداخليّة مع باقي الكتل، وبحال عدم تجاوب رئيس الحكومة المكلف تستطيع عرقلة التشكيل، إذا كانت تملك القدرة على ذلك نتيجة التوازنات السياسيّة في البلاد، من دون تجاهل عامل التوازن الطائفي على هذا الصعيد، خصوصاً إذا كان الموقف داخل الطائفة موحداً، كما هو الحال عند الشيعة اليوم.

في المحصّلة، ترى هذه المصادر أن مختلف العقد، التي عرقلت ولادة الحكومات بعد إتفاق الدوحة، كانت تدور حول هذه المعضلة، أي دور الكتل النيابيّة في عمليّة التشكيل، معتبرة أنه تفوق على ذلك الذي يمارسه رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية، لا سيما بعد أن تحول، نتيجة الإستمرار في الممارسة، إلى ما يشبه العرف.