جعل خطاب أمين عام "​حزب الله​" السيّد ​حسن نصر الله​ الأخير، وتحديدًا في شقّه الداخلي الذي تناول عمليّة تشكيل الحُكومة، أكثر من جهة تسأل عن مصير عمليّة التأليف ككل، بعد رفع سقف المواقف المُتشدّدة المُتبادلة الأمر الذي إنعكس إرتفاعًا لمُستوى التوتّر السياسي الداخلي، على الرغم من مُحاولة أكثر من مسؤول في "التيّار الوطني الحرّ" التخفيف من وطأة ما يحدث، والحديث عن وُجود مخارج يُمكن اللجوء إليها لحلّ الأزمة. وفي إنتظار موقف رئيس الحُكومة المُكلّف ​سعد الحريري​، زادت التساؤلات ما إذا كان من المُحتمل أن يُقدّم إعتذاره عن التأليف؟.

بداية، لا بُد من الإشارة إلى أنّ وزير الخارجية في حُكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ كان حاول عشيّة خطاب أمين عام "حزب الله" الأخير، تسويق فكرة توزير شخصيّة سنّية وسطيّة من خارج نوّاب "اللقاء التشاوري" كحلّ وسطي، لكنّه فشل في إقناع السيّد نصر الله بذلك، مع تشديد الأخير على ضرورة التحاور مع النوّاب السُنّة المعنيّين بشكل مُباشر، والتقيّد بما يُقرّرونه. وكان لافتًا في الوقت عينه، تحدّث أكثر من مسؤول في "التيّار الوطني الحُر" عن عقدة شيعية-سنّية، بعكس السيّد نصر الله الذي حرص على وصفها بالمسألة السنيّة-السنيّة.

بالنسبة إلى خطاب أمين عام "حزب الله" الأخير، فإنّ المعايير التي إسترسل في شرحها في ما خصّ تشكيل الحكومة وتوزيع الحُصص، بالتزامن مع مُقارنته التأخير الحالي بالفترات الزمنيّة التي إستغرقها التعاطي مع مطالب كل من حزبي "القوّات اللبنانيّة" و"التقدّمي الإشتراكي"، تجاهلت أكثر من نقطة أساسيّة-بحسب مصادر سياسية من قوى "​14 آذار​" السابقة. وأبرزها:

أوّلاً: تجاهل الدُستور اللبناني الذي يحصر مسؤوليّة تشكيل الحُكومة برئيس الحُكومة المُكلّف بالتعاون والتنسيق مع رئيس الجمهورية، وهي أدخلت معايير جديدة تتجاوز مسألة أخذ رأي الكتل الأساسيّة، إلى درجة أنّها تُحاول فرض معايير جديدة في عمليّة تشكيل الحُكومات، لجهة منع التشكيل بشكل كامل في حال عدم مُوافقة "حزب الله" على التشكيلة، بشكل ينتقص من صلاحيّات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المُكلّف والدولة اللبنانيّة ككل.

ثانيًا: تجاهل تفاهمات التسوية الرئاسيّة بين كل من تيّاري "المُستقبل" و"الوطني الحُرّ"، حيث أنّ رئيس "المُستقبل" لم ينتقل من تأييد رئيس "تيّار المردة" ​سليمان فرنجية​ إلى تأييدرئيس "التيّار الوطني الحُرّ" (في حينه) العماد ​ميشال عون​، إلا بعد التوافق على أكثر من بند، من بينها تمثيل "المُستقبل" للطائفة السنّية والإستحواذ على منصب رئاسة الحُكومة خلال العهد الرئاسي، وذلك بصفته الفريق الأقوى والأكبر ضُمن الطائفة السنّية.

ثالثًا: تجاهل تراجع كل من حزبي "القوات" و"الإشتراكي" عن مطالبهما في نهاية المطاف-ولوّ بعد أشهر طويلة من الأخذ والردّ. فالحزب الإشتراكي مُنع من تمثيل الطائفة الدرزيّة على الرغم من أنّه يُسيطر على 7 من أصل 8 نوّاب دُروز في مجلس النوّاب، مع التذكير بأنّه كان ترك المقعد الثامن فارغًا عمدًا ووزّع أصوات مؤيّديه على مرشّحين مسيحيّين لتكبير كتلته النيابية، وإلا لكان بإمكانه الفوز بالمقعد الدرزي الثامن بسُهولة. وقد وافق "الإشتراكي" ليس فقط على أن يكون الوزير الدرزي الثالث من خارج مؤيّديه، وإنّما من لائحة أسماء رفعها رئيس "​الحزب الديمقراطي اللبناني​" المير ​طلال أرسلان​ لرئيس الجُمهوريّة. وحزب "القوّات" وافق بدوره على حصّة من أربعة وزراء تتضمّن حقائب أقلّ قيمة من تلك التي كانت ممنوحة للقوات في حكومة تصريف الأعمال الحاليّة، وتخلو من أي حقيبة "سياديّة" وحتى من أي حقيبة "خدماتيّة" أساسيّة، بعد أن جرى سحب وزارة الصحة منه لصالح "حزب الله" من دون منحه بديلاً موازيًا، بل حقيبة أقلّ قيمة هي ​وزارة العمل​.

رابعًا: تجاهل إستحواذ رئيس الجُمهورية ومعه "التيّار الوطني الحُرّ" على ثلث الحُكومة، وبقاء ثُلثي الوزارة لكل باقي القوى السياسيّة، بما فيها رئيس الحُكومة، ما جعل التنازل عن مزيد من المقاعد الوزارية من قبل الُثلاثي: "المُستقبل" و"القوات" و"الإشتراكي" بمثابة تراجع عن "الثلث الضامن" الذي كان أمين عام "حزب الله" بنفسه يُشدّد قبل سنوات على حق "الأقليّة النيابيّة"-أيّا تكن، بأن تناله!.

خامسًا: تجاهل وُجود مجموعة كبيرة من النوّاب المسيحيّين الذين لم يتمّ التوافق على تمثيلهم في الحُكومة المُقبلة، ما ينفي إستهداف النوّاب السنّة الستّة دون سواهم، ويجعل من التمثيل الحُكومي غير شامل بالمُطلق أساسًا.

وخلصت المصادر نفسها إلى القول بأنّ ما يحصل حاليًا من "فيتوات" مذهبيّة في الموضوع الحُكومي، والذي يأتي بعد سلسلة من الإجراءات المذهبيّة المُماثلة(1)يفتح الباب أمام "زمن الشيعيّة السياسيّة"-إذا جاز التعبير، بعد عُقود من الإنتهاء ممّا كان يصفه البعض بالمارونيّة السياسيّة. وأضافت أنّه على الرغم من مُحاولات فرض أعراف جديدة خارج الدُستور والقوانين في لبنان، فإنّ من المُستبعد أن يلجأ رئيس الحُكومة المُكلّف إلى الإعتذار عن التأليف الثلاثاء، على الرغم من أنّه يرفض في الوقت عينه تمثيل من يصفهم بإسم "سنّة حزب الله" وبالودائع السُوريّة والإيرانيّة. وبالتالي، قد يجد رئيس الجمهورية نفسهمُضطرًا في المُستقبل القريب، إلى أخذ الحل على عاتقه وعلى حسابه أيضًا، بهدف إنقاذ عهده من الوقت المهدور المجّاني في حال إستمرّ التعثّر على خط تشكيل الحُكومة، وكذلك من خطر الإنهيار الإقتصادي، خاصة في حال تمّ دفع الحريري إلى الإعتذار مع ما سيستتبع هذه الخُطوة من ضُغوط إقليميّة ودَوليّة من كل الجهات التي تُناصب العداء للمحور الذي يُشكّل "حزب الله" رأس حربته في لبنان.

(1) منها مثلاً إقفال أبواب مجلس النواب، وفتحها، حسب رغبة "حزب الله"، وفرض جلسات "​تشريع الضرورة​" من دون وُجود حُكومة حائزة على ثقة المجلس، أي من دون سُلطة تنفيذيّة رسميّة قانونية، ورفض قرارات السُلطة التنفيذيّة تحت راية "الميثاقيّة" من خلال سحب غطاء الوزراء ​الشيعة​ فيها، إلخ.