عندما كان رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ يزور موسكو في شهر ايلول من العام الماضي، على رأس وفد حكومي، أبدى الاندفاع طلباً لسلاح روسي للجيش اللبناني، وعرض خلال لقائه مع رئيس الحكومة الروسيّة ​ديمتري ميدفيديف​ شراء أسلحة من موسكو بقيمة مليار دولار. يومها رحّب ميدفيديف بطلب الحريري، بعدما لمس حماسته لإتمام الصفقة العسكرية الروسية-اللبنانية. كان يحضر ذاك الاجتماع، الوفد الحكومي الذي يرافق الحريري، ومن بينهم وزيرا المالية ​علي حسن خليل​ والدفاع الوطني يعقوب الصرّاف. فدعا ميدفيديف وزير ماليّة لبنان الى البقاء في موسكو ليومين إضافيين، لاتمام الصفقة مع نظيره الروسي لجهة الشق المالي.

كانت يومها موسكو سرّبت معلومات صحافيّة قبل وصول الوفد اللبناني الى ​روسيا​، تفيد بأن هناك احتمالين لإتمام صفقة تسليح ​الجيش اللبناني​: إمّا أن يتمّ من خلال قرضٍ روسيّ، وحينها يصبح هامش الاستفادة من القدرات الروسيّة واسعاً، وإمّا يجري ذلك عبر الخزينة اللبنانية، وفي هذه الحالة ستتقلّص الخيارات.

كان طموح موسكو ان يحصل تعاون مع بيروت، فروّجت معلومات، اوردت فيها أن ما سيُطرح على بساط البحث في الشقّ العسكري، يتجاوز بكثير إطار الهبة الروسيّة السابقة التي طرِحت قبل سنوات، ومن ثمّ تعثّرَت، وكشَفت يومها أنّ بعض الافكار المقترَحة تتّصل بتعاونٍ واسعِ النطاق.

كان الامل الروسي كبيراً، يستند الى عمق العلاقة الظاهرة بين موسكو وبيروت. لكن خاب ظنّ الروس لاحقاً، بعد رفض لبنان كل ما له علاقة بالعسكر، ولو شاحنات لنقل الجند، وصهاريج ورافعات ثقيلة من إنتاج شركة "كاماز"، لا تشكّل أي وزن في الميزان العسكري، ولا تساهم في تحوّل وجهة التسليح من واشنطن الى موسكو.

نعم، وصل الأمر، لرفض شاحنات وآليات لنقل الجند، إقترح الروس تزويد الجيش اللبناني بها، فتمّ الرفض، رغم أن مبلغ المليار دولار الذي تحدث عنه الحريري بإندفاع غير مسبوق، تحوّل الى ١٠ مليار ليرة لبنانية يودع روسيّاً في مصارف لبنانية، ولم يتيسر الأمر، فجرى الحديث في الصالونات السياسية عن "أن حاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ وضع عراقيل منعت الجيش اللبناني من فتح اعتمادات في البنوك لتنفيذ اتفاقيات عسكرية موقّعة ونافذة مع الشركة الروسية". الجيش اللبناني من جهته، قام بكل الخطوات المطلوبة، وطلب من مصرف لبنان، فتح اعتماد لشركة "كاماز" التي تتعامل معها أكثر جيوش العالم، بسبب جودة صناعاتها وعدم وجودها على لوائح العقوبات الأميركية. كان هدف الجيش اللبناني تنفيذ الإتفاقية وتسديد ثمن الآليات البالغ عددها 104. وزير الدفاع الوطني، أرسل الطلب، وحتى الآن لم يتمّ تحويل الأموال، ويتردّد في الكواليس أن حاكم المصرف المركزي يتهرّب من بتّ الأمر، رغم أنّ الشركة الروسيّة المذكورة لديها حسابات بنكيّة في عدد كبير من دول العالم، ومن بينها دول خليجية كالامارات و قطر.

فما هو السبب؟

يقول المطّلعون أن الولايات المتحدة الاميركية لم تطلب من لبنان عدم قبول سلاح روسي، ولا آليات، بل إن اللبنانيين تبرعوا برفض السلاح الروسي، كي لا يُسبّب الأمر غضباً في واشنطن. القصّة تتعدّى نظرية أن "السلاح اللبناني أميركي". فلا تستقيم تلك النظريّة مع الواقع، خصوصا ان سلاح الكلاشنيكوف هو روسي مطلوب في كل جيوش العالم، ويستخدمه الجيش اللبناني في بعض قطعاته، ويحتاج الى طلقات نارية مخصصة له، رفض لبنان قبول هبة بشأنها. كما أن هناك مدافع روسيّة قادرة على رفع مستوى السلاح لدى الجيش اللبناني، في حال تزوّد بها. لكن كل ذلك تمّ رفضه في إطار الهبة التي كانت تبلغ قيمتها خمسة ملايين دولار، رغم جهود السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسيبكن الذي حاول إفادة لبنان من الهبة من جهة، وإتمام الصفقة من جهة ثانية، لكن اللبنانيين أجهضوا طرح موسكو، ومساعي سفيرها في بيروت، وبات لبنان اليوم يطرح استبدال وجهة الهبة الروسية من الجيش اللبناني الى قوى الأمن الداخلي، لكن ذلك يحتاج الى مرسوم جمهوري روسي يوقّعه الرئيس ​فلاديمير بوتين​، الذي بدا ان قرار لبنان بعدم انجاز الصفقة مع شركة "كاماز"، أشعره بمدى الهيمنة الأميركية في بعض دوائر القرار اللبناني، وبالتالي بات من الصعوبة اقناعه بتحويل الهبة من الجيش الى قوى الأمن الداخلي، لا بل إن التصرفات اللبنانية مع موسكو، قد تضر بلبنان على أكثر من مستوى، وتضع مصداقية الحكومة اللبنانية ورئيسها على المحك.