لم يكن مستغربا أن يدرس "​التيار الوطني الحر​" بتأنٍّ أي موقف يتخذه من حادثة الجاهليّة ويعمّم على نوابه ووزرائه وقيادييه عدم الاسترسال في التعليق على الموضوع، لاقتناعه بأن كل ما سيقوله سيرتدّ سلبا عليه نظرا لحراجة الموقف. فالقيادة العونيّة وان كانت ترفض تماما ما صدر عن رئيس حزب "التوحيد العربي" وئام وهّاب، الا أنها في الوقت عينه لا تؤيّد العمليّة التي نفّذتها "شعبة المعلومات" بقرار قضائي وآخر سياسي من رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​، وهي كما يؤكد قياديون عونيون وبخلاف ما أعلنه النائب السابق ​مصطفى علوش​ لم تكن كما رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ على اطّلاع على هذه العمليّة قبل تنفيذها، والا ما كانت لتنتقد حيثيّاتها وتلعب دور الوسيط بين الفرقاء لاستيعاب تداعيات ما حصل.

ويشعر العونيون اليوم وكأنهم يسيرون في حقل ألغام، فلا هم مستعدّون للوقوف في مواجهة وهّاب الذي يستند بقوّة على حزب الله ودمشق، كما أنهم لا يجدون أنفسهم في موقع الانقلاب على التسوية الرئاسيّة والتفاهم مع تيّار "المستقبل"، ما يجعلهم يتأنّون كثيرا في تناول حادثة الجاهليّة كما "العقدة السنّية" على حدّ سواء. وهم تفاجأوا بما حصل السبت الماضي تماما كمعظم اللبنانيين، ففي حين كان جهد وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ يتركّز على محاولة حلّ العقدة الحكوميّة الأخيرة من خلال مجموعة من الطروحات التي جال بها على المعنيين، جاءت حادثة الجاهلية لتفاقم الأوضاع، ما أدّى لحرف الجهود العونيّة خلال الايام القليلة الماضية عن مسارها الحكومي لتسلك مسار ترطيب الأجواء وامتصاص التوتر، لتتفرغ قبل ساعات لتحديد الاضرار الجانبيّة التي لحقت بالقطار الحكومي قبل اطلاقه من جديد.

ولا تشعر القيادة العونيّة أن ايًّا من الفرقاء يساعدها في المهام التي تتحول مع مرور الاسابيع والأشهر اشبه بالمستحيلة، فلا حزب الله يتعاون معها لتسهيل مهمّة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ولا الأخير يساهم بتسريع إطلاق عجلة العهد من جديد. لكن ما يتمّ تداوله في الصالونات السياسيّة، يحرص العونيون على ألاّ يخرج للعلن لاقتناعهم بأن أي موقف منحاز لفريق بوجه آخر من شأنه أن يطيح بدورهم كوسيط وبالتالي بالملف الحكومي ككل بغياب الوسطاء الخارجيين. وقد اختبرت القيادة العونيّة تداعيات هذه المسألة بعيد الموقف الشهير الذي أطلقه رئيس الجمهورية من قصر بعبدا معلنا دعمه للحريري في موضوع العقدة السنّية، ما أثار استياء كبيرا في صفوف قوى الثامن من آذار وحزب الله بشكل أساسي الذي لم يتأخر ليستنفر لاستيعاب الموضوع ومنع تفاقمه.

ويتّبع الرئيس عون كما الوزير باسيل في المرحلة الراهنة سياسة "العضّ على الجراح" لاقتناعهما بأن المرحلة لا تحتمل الحَرَد، وتستوجب تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن لاطلاق عجلة العهد المتوقّفة منذ الانتخابات النيابيّة. الا أنهما وفي الوقت الذي يصبّان فيه اهتمامهما على حلّ العقدة السنّية، يتملّكهما هاجس انتاجيّة الحكومة الجديدة، وهو ما سيشكّل تحديا كبيرا لهما على الأرجح سيفوق بصعوبته أي تحدّ واجهاه منذ وصول العماد عون الى سدّة الرئاسة.