يَقول مِلتون فريدمان، عالِمُ الاقتصاد الأَميركيُّ الحائِز على "جائِزة نوبل في الاقتصاد" عام 1976، والمُتوفِّي في العام 2006، وقد عرضَ لِمَنشأ الفَساد معتمدًا النّظريَّة الآتية: "الشَّيءُ الأَساسيُّ الَّذي عليْنا معرفتُه هو: مَن يَصرف مالَ مَن؟. لِنَفترض أنَّ لدينا الحالَ التَّالية: أَنت أَوَّلاً مَن يَصرف المال. وفي هذه الحال يُمكنك أَنْ تَصرف مالك أَو مال غيرك. كما ويمكنُك أَنْ تَصرف المال على نفسِك أَو على شخصٍ آخرَ. وهذا يَضعُك أَمام أَربع حالاتٍ، مِن المُهمِّ جدًّا أَنْ تفهمَها:

-حين تَصرف المال على نفسِك، تكونُ حذرًا جدًّا في شأْن المِقدار الَّذي تصرفُه. كما وتكونُ حذرًا في شأْن طريقةِ صرفِ المال.

-حين تَصرفُ مالك على شخصٍ آخرَ، كشِراءِ هديَّةٍ له مثلاً، في هذه الحال تَكون حذِرًا أَيضًا في شأْن كميَّة المال الَّتي ستُنفِقُها. ولكن لن تكون حذرًا في شأْن طريقة صَرف المال. وذلك أَقلُّ جودةً بقليلٍ مِن إِنفاقِ المال على نفسك.

-ولكنْ إِنْ أَنت أَنفَقْتَ مال شخصٍ آخر على نفسك، فالمَسألةُ ستَكون مختلفةً إذ أنَّك لن تهتمَّ لكميَّة المال الَّتي ستُنْفِقُها، غير أَنَّك ستكونُ حذرًا، وستسعى إِلى الحصول على أَكثر ما يُمكنُك الحصول عليه، في مقابل المال الَّذي تُنفقُه.

-وفي الحال الرَّابعة، حين تُنفق مال شخصٍ آخر على شخصٍ ثالثٍ، فهُنا لا تهتمُّ كثيرًا لا لكميَّة المال الَّذي تُنفِقُه، ولا إِلى طريقة الصَّرف. وتِلكَ حالُ الحكومة. فكلُّ ما تستطيعُ الحكومة فعلَه هو أَخذُ مالٍ من بعض الأَشخاص، وصرفُه على أشخاصٍ آخرين. ولهذا السَّبب ثمَّة الكثير من المال الضَّائع، والكثير من الفَساد، في المصاريف الحكوميَّة. وأَظنُّ أَنَّ هذا درسٌ على النَّاس جميعًا أَنْ يعرفوه، أَكانوا صغارًا في السِّنِّ أَم كبارًا أَم في مُنتصفِ العُمر"...

لقد اعتمد مِلتون فريدمان هذا الأُسلوب المُبسَّط لشرح نَشأَةِ ​الفساد​ِ وأَسبابه، كما وقد تكون نظريَّتُه تلك صالحةً ليس فقط لاستِكمال حديثنا عن الفساد في ​اسرائيل​، بل والفساد في الحكومات بِالمُطْلق. غيرَ أنَّ مَسؤولي "الكيان الصُّهيونيّ" خُبراء في الفَساد على خطَّين: في سَرِقة الأَموال العامَّة العائدة إِلى كيانهم، كما وفي باب الفساد في الإِنفاق، وبالتَّالي فثمَّة إِهدارٌ للمال العام.

شارون

وبالعودة إِلى "إِسرائيل"، وبعد استعراضِ ملفَّات الفسادِ المتُّهمِ بها رئيس الوزراء الاسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​، لا بُدَّ من التَّوقُّف عند متَّهمٍ آخر: أَرييل شارون. فقد كان يُشتَبه في أَنَّ شارون أَخذ مئات الآلاف من الدُّولارات رشاوًى في أَواخر التِّسعينات من القرن الماضي، في ما أَصبح يُعرف باسم "قضيَّة الجَزيرة ​اليونان​يَّة".

وقد أَوصت "النِّيابة العامَّة" حينها بِتوجيه اتِّهامات ضدَّه، ولكنَّ النَّائب العام رأَى أَنَّ الأَدلَّة لم تكُن كافيةً. كما شمل الاتِّهام، تقديم رجل الأَعمال الإِسرائيليّ "دايفيد أَبيل" رشوةً إلى شارون، الَّذي كان آنذاك يَشغل مَنصب "وزير الخارجيَّة"، لمُساعدته في الحصول على تصريحٍ لِتطويرٍ عقاريٍّ في اليونان.

نتانياهو

وبعد فترةٍ، انطلق الحديث مجدّدًا عن ملف فساد نتانياهو، ففي شباط 2018، أَعلنت "الشُّرطة الإِسرائيليَّة"، أَنَّها اعتقلَت اثنين من المُقرَّبين من "رئيس الوزراء" بنيامين نتانياهو في إِطار تَحقيقٍ جديدٍ بتُهم فسادٍ. كما واعتقلت خمسة موظَّفين كبار في "مجموعة بيزك" للاتِّصالات.

وأَتَت التَّوقيفات بعد إِعلان "الشُّرطة" أَنَّها أوصت رسميًّا القضاء، بتوجيه تُهمِ الفساد والاحتيال واستغلال الثِّقة إِلى نتانياهو، وأَنَّ القرار باتَ في يد "النَّائب العامّ" أفيغاي مندلبليت. كما وتمَّ اعتقال نير حيفيتز، وهو ناطقٌ سابقٌ باسم عائلة نتانياهو، إِضافةً إِلى شلومو فيلبر، وهو مُقرَّب من نتانياهو والَّذي كان يشغل منصب "مُدير وزارة الإِعلام". وأَمَّا المُعتقلون الآخرون، فهم شاؤول إيلوفيتش، الَّذي كان يَملك الحصَّة المُسيطرة في شركة "بيزك"، واثنان من أَفراد عائلته ومُديران في الشَّركة.

واشتبهَت "الشُّرطة" في أَنَّ إيلوفيتش حصل على تنازلاتٍ في مَجال الأعمال، في مقابل حصول نتانياهو على تغطيةٍ إيجابيَّةٍ في موقع "والا" الإِخباريِّ الإِلكترونيِّ الَّذي يملكه إيلوفيتش. وقالت "الشُّرطة" إِنَّ الشُّكوك تراكَمت لديها، في شأْن "الجِنايات المُتعلِّقة بالأَخلاق والاحتيال وغَسيل الأَموال والأَوراق الماليَّة، الَّتي ارتُكبت على مدى فتراتٍ طويلةٍ من الزَّمن، وفي شكلٍ مُتكرِّرٍ ومُمنهَجنٍ، وفي إِطارِ العَلاقات بين المُديرين التَّنفيذيِّين في شركة (بيزك)، والمُوظَّفين الحكوميِّين وشركائِهم".

صحافيّ وخبير تربويّ