بعد فشل تسوية توزير رئيس "الدَوليّة للمعلومات" جواد عدرا، بسبب الخلاف على الجهة السياسيّة التي سيُحسب عليها على طاولة ​مجلس الوزراء​، حيث جرت مُحاولات لإحتسابه من حصّة رئيس الجُمهورية العماد ​ميشال عون​ في مُقابل مُحاولات مُضادة لإحتسابه من حصّة نوّاب "​اللقاء التشاوري​"، أُجهِضت التسوية الوزارية، والأخطر أنّ العلاقة الثنائيّة بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"​حزب الله​" توتّرت خلف الكواليس، وتحديدًا بين مُناصري الطرفين على صفحات التواصل الإجتماعي، قبل أن تصدر تعليمات من مراكز عُليا بوقف أي جدل إلكتروني، بموازاة حرص بعض المسؤولين لدى الطرفين على التأكيد أنّ تفاهم "​مار مخايل​" غير قابل للإهتزاز. فهل يُوجد خلاف فعلي بين "التيّار" و"الحزب"، وهل تتجه الأمور إلى التهدئة أم إلى التصعيد بين الطرفين؟!.

منذ توقيع تفاهم "مار مخايل" في 6 شباط من العام 2006، مرّت العلاقة بين كل من "التيّار الوطني الحُرّ" و"حزب الله" ببعض الخلافات على ملفّات مُحدّدة، لكن التفاهم بقي مُتماسكًا بقُوّة نتيجة أسسه الإستراتيجيّة. وأظهر "الحزب" وفاء لوُقوف العماد ميشال عون شخصيًا معه في "حرب تمّوز" وفي محطّات داخليّة أخرى مُهمّة، بحيث لعب دورًا رئيسًا في عرقلة إجراء الإنتخابات الرئاسيّة إلى أنّ تمّ التوافق على إنتخاب العماد عون رئيسًا للجُمهوريّة، وفق ما إصطلح على تسميته "التسوية الرئاسيّة" والتي شملت تقاربًا غير مسبوق في حينه بين "التيّار" من جهة، وكل من "تيّار المُستقبل" وحزب "القوات ال​لبنان​يّة" من جهة أخرى.

واليوم، يستخدم "حزب الله" ورقة التعطيل نفسها لكن لأهداف أخرى، حيث يرفض تسليم أسماء وزرائه في الحُكومة المُقبلة، قبل التوصّل إلى المخرج المناسب لمسألة تمثيل كتلة نوّاب "اللقاء التشاوري" التي تتشكّل من نوّاب ينتمون إلى كتل مختلفة تشمل "الحزب" و"​حركة أمل​" و"​المردة​" وآخرين مستقلّين، الأمر الذي عرقل عمليّة التشكيل ككل، وضرب عرض الحائط الدُستور اللبناني الذي ينصّ على أنّ مُهمّة تشكيل أي حُكومة مَنوط برئيس الحُكومة المُكلّف بالتنسيق مع رئيس الجمهوريّة. وقد أسفر إستمرار التعثّر توتّرًا واضحًا في العلاقة بين "التيّار" و"الحزب"، بغضّ النظر عن المواقف السياسيّة التي تنفي هذا الأمر. لكن وعلى الرغم من إرتفاع مُستوى الخلاف بين الطرفين إلى مرحلة غير مسبوقة، منذ تاريخ توقيع التفاهم الثنائي قبل أكثر من عقد من الزمن، يُمكن القول إنّ الخلاف الفعلي بين "التيّار" و"الحزب" لم يبدأ بعد!.

فالصراع على توزيع الحصص السياسيّة داخل الحُكومة المُقبلة وتّر العلاقات بين مُختلف القوى السياسيّة من دون إستثناء، والرفض المُقنّع من قبل "الُثنائي الشيعي" وغيره من الأطراف، لحُصول كلّ من رئيس الجمهوريّة و"التيّار" على حصّة مُشتركة من 11 وزيرًا في حُكومة ثلاثينيّة، أي "الثلث زائد واحد" الذي يسمح بفرض "فيتو" على أي قرار لا يُعجبهما، أصاب العلاقة بين "التيّار" و"الحزب" بضرر كبير، كونه كشف عدم ثقة مُتبادل بين الطرفين على مُستوى الملفّات و​السياسة​ الداخليّة، على الرغم من متانة التحالف بينهما على مُستوى الملفّات والسياسة الإستراتيجيّة الخارجيّة. كما أنّ هذا الملف كشف رفضًا لتطبيق مبدأ المُناصفة الوارد في الدُستور بين مسيحيّي ومُسلمي لبنان، وظهّرَ مُحاولة للتضييق على سُلطة المسيحيّين حتى لو كانوا من الفئة المُنفتحة سياسيًا على مُختلف القوى. وأظهرت المواقف بشأن ملف تشكيل الحُكومة، ورفض منح الرئيس و"التيّار" ورقة "الثلث المُعطّل" بالتحديد، إسقاطًا مُقنّعًا لمبدأ المُناصفة، ومُحاولة واضحة لفرض المُثالثة في الحُكم، تحت أعذار وتبريرات مُرتبطة بالتوازنات السياسيّة الداخليّة والإقليمية، وذلك لحجب الخلفيّات الطائفيّة والمذهبيّة للموضوع.

من هنا، يُمكن القول إنّ التفاهم السياسي الإستراتيجي الثابت بين "التيّار الوطني الحُرّ" و"حزب الله" لا يعني أنّ الأمور بين الطرفين ستخلو من الخلافات في حال التمادي بعدم منح الجانب المسيحي حقّه في السُلطة السياسيّة على مُستوى إدارة الدولة. ومن غير المُستبعد أنّ تبلغ العلاقة الثُنائية بين "التيّار" و"الحزب" حدّ الخلاف العلني، في حال إستمرار عرقلة تشكيل الحُكومة، لأنّ الضرر الأوّل والأكبر يطال عهد العماد عون الرئاسي قبل أي جهة سياسيّة أخرى، خاصة وأنّ النصف الأوّل من العهد يتآكل بوتيرة سريعة، والأوضاع العامة تسوء بشكل إنحداري مُتصاعد نتيجة التعطيل المُتمادي للسُلطة التنفيذيّة.

لكن وعلى الرغم من ذلك، الأكيد أنّ الصراع الفعلي بين "التيّار" و"الحزب" لم يبدأ بعد، وموعده يُمكن أن يكون عشيّة الإنتخابات الرئاسيّة المُقبلة، في حال قرّر "حزب الله" تبنّي ودعم ترشيح أي شخصيّة من خارج خيارات "التيّار"، أكان رئيس "تيّار المردة" الوزير السابق سليمان فرنجيّة أو سواه، علمًا أنّ موقف "التيّار" معروف من هذه المسألة، لجهة أنّ الشخصيّة المسيحيّة المارونيّة التي يحقّ لها الترشّح للرئاسة هي تلك التي تحظى بدعم الحزب المسيحي الأكبر و​القاعدة​ الشعبيّة المسيحيّة الأكبر.

وبالتالي، يُمكن القول إن ما يحصل اليوم من شدّ حبال سريّ بين "التيّار" و"الحزب"، ما هو إلا نموذجًا صغيرًا لا يُقارن بما يُمكن أن يحصل بعد أربع سنوات في حال إختلف الطرفان على إسم رئيس الجُمهورية المُقبل!.