كان من الممكن أن يكون العام الحالي، من أفضل السنوات التي مرّت على ​لبنان​ منذ العام 2005، فيما لو استغلت القوى السياسية الفرص التي كانت سانحة أمامها، لا سيّما مع إجراء أول انتخابات نيابية على أساس النظام النسبي، خصوصاً أن ​الانتخابات​ ما قبل الأخيرة كانت في العام 2009، إلا أن هذه القوى قررت الدخول في لعبة تقاسم الحصص المستمرة منذ 7 أشهر، ما أدى إلى تمدّد الأزمة الحكومية إلى العام المقبل، بعد أن راهن الكثيرون على أن تكون ​الولادة​ قبل نهاية العام الجاري، على أساس أن تكون بمثابة "عيديّة".

بين "سيدر" و​الانتخابات النيابية

على الرغم من أن بداية عام 2018 كانت مع أزمة على المستوى السياسي، كما نهايته، تمثلت بالخلاف حول مرسوم ​ترقية ضباط​ دورة 1994 بين ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ ورئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​، انعكست توتراً في الشارع بعد تسريب فيديو لرئيس "​التيار الوطني الحر​" ​جبران باسيل​، يصف فيه بري بـ"البلطجي"، إلا أنه يمكن تسجيل نقاط أخرى بعيدة عن التوترات السياسية تمثلت أولاً بانعقاد مؤتمر "سيدر" في العاصمة الفرنسية ​باريس​، الذي حصل بموجبه لبنان على تعهدات بقروض بقيمة 10.2 مليار ​دولار​، وهبات بقيمة 860 مليوناً، بالرغم من التحذيرات من احتمال خسارتها بسبب الفشل في ​تشكيل الحكومة​.

بالإضافة إلى ذلك، شهد لبنان أول انتخابات نيابية منذ العام 2009، وهي تعتبر من الإنجازات في العام الحالي، بالرغم من ارتفاع حدة السجالات التي رافقتها، والتي تعتبر الأزمة الحكومية من أبرز نتائجها، وهي أفرزت توازناً جديداً على المستوى البرلماني، تمثل في فوز تحالف "التيار الوطني الحر" وقوى الثامن من آذار بالأغلبية النيابية للمرة الأولى منذ العام 2005، الأمر الذي دفع العديد من الجهات الدولية إلى التحذير من سيطرة "​حزب الله​" على القرار السياسي اللبناني، في حين وصف نائب رئيس المجلس النيابي ​إيلي الفرزلي​، بعد انتخابه في هذا المنصب، الواقع الجديد بالتصحيح لخطأ تاريخي.

أزمة مفتوحة حكومياً

بعد الانتهاء من هذا الاستحقاق الانتخابي، سارعت ​الكتل النيابية​ إلى إعادة انتخاب نبيه بري رئيساً ل​مجلس النواب​، وإلى تكليف ​سعد الحريري​ تشكيل الحكومة المقبلة، التي يعتبرها رئيس الجمهورية حكومة العهد الأولى. وفي حين كانت التوقعات توحي بأن ولادتها ستكون خلال وقت قصير، نظراً إلى أنها من المفترض أن تعكس نتائج الانتخابات النيابية، لم تنجح المشاورات و​الاتصالات​ السياسية في معالجة جميع العقد التي تحول دون ولادتها.

على هذا الصعيد، برزت إلى الواجهة العقدتين الدرزية و​المسيحية​: الأولى أدت إلى توتير الأجواء بين "الحزب التقدمي والاشتراكي" و"التيار الوطني الحر"، بسبب إصرار التيار على تمثيل رئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" النائب ​طلال أرسلان​ مقابل رفض الحزب لذلك، على خلفية المواقف المتشنجة التي رافقت الانتخابات النيابية، والتي أدت إلى مقتل علاء أبو فرج خلال ​اشتباك مسلح​ بين الحزبين في ​مدينة الشويفات​، قبل أن تحل من خلال تقديم كل حزب 5 أسماء اختار رئيس الجمهورية واحداً منها ليكون الوزير الدرزي الثالث، في حين أن الثانية أدت وقف اتفاق معراب بين "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية"، وكان من الممكن أن تقود إلى إخراج الحزب من الحكومة لولا موافقته على العرض الأخير الذي عرض عليه، المتمثل بالحصول على حقائب العمل والثقافة والشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى منصب نائب رئيس الحكومة.

وفي وقت كان الجميع ينتظر ولادة الحكومة، بعد حل العقدتين الدرزية والمسيحية، برزت عقدة تمثيل النواب ​السنة​ المستقلين من خارج تيار "المستقبل"، لا سيما مع رفض الثنائي الشيعي، أي "حزب الله" و"​حركة أمل​"، تسليم أسماء الوزراء ​الشيعة​ قبل الاتفاق على تمثيل هؤلاء النواب، ما أدى إلى توتر في العلاقة بين "حزب الله" وتيار "المستقبل"، في حين سعى رئيس "التيار الوطني الحر"، مدعوماً من رئيس الجمهورية، إلى الدخول على خط المعالجة. وقبل نهاية العام الحالي كان من الممكن أن تبصر الحكومة النور، نتيجة المبادرة التي قادها مدير عام ​الأمن العام​ ​اللواء عباس إبراهيم​، إلا أن الخلافات على تفاصيلها، بالإضافة إلى عقدة توزيع الحقائب العادية، أدت إلى تعثرها من جديد.

فلتان أمني وتهديدات إسرائيلية

على الرغم من تراجع منسوب التهديدات الارهابية في العام 2018، لا سيما مع تحرير الجرود اللبنانية من الجماعات التفكيرية في العام الماضي، إلا أن هذا لا يلغي الجهود التي قامت بها ​الأجهزة الأمنية​ على هذا الصعيد في الأشهر السابقة، لا سيما على مستوى الحرب الاستباقية التي تخوضها، والتي جنبت البلاد العديد من الهجمات التي كانت تحضر لها تلك الجماعات، والتي كان آخرها ما كشف عنه وزير الداخلية والبلديات في حكومة ​تصريف الأعمال​ ​نهاد المشنوق​.

في المقابل، برزت في ​منطقة البقاع​ حالة من الفلتان الأمني دفعت نواب المنطقة إلى رفع السقف عالياً، لا سيما مع تزايد ​حالات​ الاشتباكات العائلية، بالإضافة إلى استهداف وحدات ​الجيش اللبناني​ في أكثر من مناسبة، لا سيما بعد مقتل مطلوبين من ​آل جعفر​ في ​حي الشراونة​ خلال عملية أمنية، ما أدى إلى استشهاد أحد العسكريين خلال كمين نفذه مطلوبون لدورية من الجيش، الأمر الذي من المفترض وضع حد له في العام المقبل، خصوصاً أن أغلب القوى السياسية تؤكد رفعها الغطاء عن أي مرتكب.

بالتزامن، استمرت الحوادث الأمنية داخل ​مخيم عين الحلوة​ بين حركة "فتح" والمجموعات المتشددة، بالرغم من تراجع وتيرته عن الأعوام السابقة، إلا أن اللافت كانت أوضاع مخيم المية والمية، الذي شهد مواجهات بين حركتي "فتح" و"​أنصار الله​"، لم تنته إلا بهروب زعيم "أنصار الله" لبنان.

على صعيد منفصل، كان العامل الاسرائيلي حاضراً منذ بداية العام على الساحة اللبنانية، من خلال التفجير الذي استهدف القيادي في حركة "حماس" أبو حمزة حمدان في صيدا، بالإضافة إلى استمرار الخروقات الجوية والبرية والبحرية، إلا أن اللافت هو ارتفاع وتيرة التهديدات في الأشهر الماضية، والتي انطلقت من مزاعم رئيس الوزراء ​بنيامين نتانياهو​ عن تخزين "حزب الله" ​صواريخ​ بالقرب من ​مطار بيروت الدولي​، وصولاً إلى إطلاق عملية عسكرية ضد ما تقول ​تل أبيب​ أنها إنفاق للحزب على الحدود، من دون تجاهل الخطر الذي يمثله استخدام ​الطائرات الاسرائيلية​ الأجواء اللبنانية لتنفيذ غارات على ​الأراضي السورية​، والذي كان من الممكن أن يؤدي إلى كارثة انسانيّة مؤخّرًا، بسبب تهديدها سلامة حركة ​الطائرات المدنية​.

ملفات مفتوحة

انطلاقاً من استعراض أبرز الأحداث اللبنانيّة في العام الحالي، يمكن القول أن هناك مجموعة من الملفّات التي ستكون حاضرة بقوة في عام 2019، أبرزها الأزمة الحكومية التي تحتاج إلى معالجة بأسرع وقت ممكن، نظراً إلى التداعيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المترتّبة عليها، والتي كانت سبباً في الدعوة إلى تحركات شعبية في الشارع من الممكن أن ترتفع وتيرتها أكثر.

وبالإضافة إلى الملفات الاقتصادية والاجتماعية، هناك ملفات سياسية من العيار الثقيل تنتظر الحكومة المقبلة، في ظل التحولات الكثيرة على مستوى المنطقة، لا سيما على صعيد الأزمة السوريّة مع بدء الاستدارة العربية نحو دمشق، والدعوات إلى إعادتها إلى العمل العربي، وهنا سيكون على ​الحكومة اللبنانية​ حسم هذه المسألة، خصوصاً مع تفاقم أزمة النازحين التي لا يمكن معالجتها من دون تنسيق مع الحكومة السوريّة، في ظل المواقف الدولية والإقليميّة التي تربط العودة بالحل السياسي.

بالتزامن، لا يمكن تجاهل المؤشر الخطير الّذي سيطر على الأوضاع السياسية في العام 2018، وهو مرشح إلى التفاقم في العام المقبل في حال استمرار التوتر بين الأفرقاء المحليين، يتمثل بالصراع على الصلاحيات وبروز أعراف جديدة على مستوى الحكم وإدارة مؤسسات الدولة، الأمر الذي تطرح حول تداعياته المحتملة الكثير من علامات الاستفهام.