دفن ال​لبنان​يون والعالم عام 2018 وودّعوه دون بكاء ونحيب او أسف، يحدوهم الامل بأن تكون السنة البديلة أي عام 2019، مليئة بالامل بأن تلغي جزءاً من الارث الثقيل الذي تركته السنة الفائتة. وبعيداً عن كل الامنيات والتوقعات و"التنبؤات" التي تأخذنا الى عالم غير واقعي، لا بد من العودة الى الواقع مع كل ما يحمله من تحدّيات وعقبات وأفق سوداوي تركته الممارسات السياسيّة اللبنانيّة عام 2018 وما سبقه من اعوام.

اليوم، نحن في مواجهة تحدّيات كثيرة قد تهدّد استقرار لبنان، إنْ على الصعيد السياسي او على الصعيد الاقتصادي والمالي، والحديث عن عدم تمتعنا بترف "هدر الوقت" ليس مجرد كلام في الهواء، بل يستند الى معطيات وارقام ملموسة لا يمكن ولا يجب تجاهلها، فمن الذي سيواجه هذه التحديات وكيف سيتغلب عليها؟!. يعوّل الكثيرون على دور لرئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ في إيجاد الحلول اللازمة للمشاكل العالقة، ولكن بغضّ النظر عن شخصيّة رئيس الجمهورية، فإنّه امام واقعين غير قابلين للتغيير او الاصلاح: الاول عدم وجود صلاحيّات دستوريّة سوى القليل منها ليتمسّك بها ويفرض ما يريد، والثاني هو في مرافقة ظل وزير الخارجيّة في حكومة تصريف الأعمال ​جبران باسيل​ له في كل خطوة وقرار يُتّخذ، الى حد اعتبر فيه مناوئو "​التيار الوطني الحر​" ان الوزير بات اقوى من الرئيس. قد يكون في الامر مبالغة، ولكن على الرئيس عون اتخاذ الاجراءات اللازمة والقرارات التي من شأنها ازالة كل هذا اللغط، والاثبات بالقول والفعل للمشككين انه الشخصيّة نفسها التي اتفق عليها اللبنانيون وحظيت بموافقة اقليميّة ودوليّة على كونها فرصة انقاذ للبنان من المتاهة التي كان يعيش فيها قبل تولّيه سدّة الرئاسة.

في المقابل، يرى آخرون ان رئيس الحكومة المكلّف ​سعد الحريري​ هو القادر على مواجهة التحديات وانقاذ لبنان، ولكن الامور ليست ببساطة الكلام مهما كانت "السما زرقا"، والحريري يواجه مطبّات سياسيّة واقتصاديّة اكثر من ان تذلّل بكلمة من هنا او ارضاء لاحد من هناك. وازاء هذا الوضع، تمسك الحريري ببعض المطالب التي تظهره "مدافعاً" عن حقوق السنّة في لبنان، ورفض أناس من اهل الطائفة رغبوا في الانضمام الى حكومته العتيدة، رغم ان بعضهم قريب جداً من رئيس ​مجلس النواب​ نبيه برّي ومن قوى سياسيّة فاعلة، حتى انه خاطر في فترة بالعلاقة التي تجمعه بالرئيس عون، ولكنه لم يقدم على أيّ خطوة تضعه في خط تصعيدي مع الثنائي الشيعي او مع رئيس الجمهورية وباسيل، إلا أن الخلاف في الرأي والتمسك بفكرته لن يجعلاه قادراً في المرحلة المقبلة على لعب دور المنقذ.

بري و​حزب الله​ وباسيل يتقاسمون ايضاً آراء بعض اللبنانيين بالقول ان كلاً منهم قادر على لعب دور انقاذي للبنان. هذا الامر قابل للاخذ والرد ايضاً، فبري بات يعتبر انه لم يعد "يدير اللعبة" وبالتالي فإنه يلعب دوراً عادياً كأي طرف آخر، ولو انه سهّل في الفترة الاخيرة تسويق اسم جواد عدره كوزير لحل العقدة السنّية، ولكنه لا يرى انه يجب ان يقوم بأيّ جهود اضافيّة طالما انه لم يعد يحمل صفة "ام الصبي" التي حملها آخرون شعاراً لهم.

وحزب الله لا يزال يصرّ على ارضاء النواب السنّة الستّة، ومن المعلوم انه سهّل بدوره مسألة توزير عدره في الحكومة، ولكنه سرعان ما اوقف محركاته، وبات همّه حالياً تخفيف حدّة التوتر بين مناصريه ومناصري "الوطني الحر"، علماً انه يعتبر كل ما يقال عن حلحلة او تعقيدات حكوميّة، خارج اهتماماته لانه غير معني بـ"مشاكل غيره"، ولو ان الواقع يظهر بما لا يقبل الشك ان دعمه للنواب الستة كان اساس ثباتهم وتأخير الاعلان عن الحكومة. وبالتالي فإنّ الحزب بات طرفاً اساسياً في المشكلة، ولا يمكنه ان يكون هو الحل.

وحاول باسيل تسويق مبادرة تضع حداً للمشكلة الحكومية، ولكن محاولاته باءت بالفشل، فهو لم يستطع جمع الافرقاء على تقديم الدعم لمبادرته، فكانت جولته يتيمة دون ان يحصل أي خرق ولو بصيص أمل للازمة، وهو ايضاً من الذين يرى الكثيرون انه في صلب المشكلة ولا يمكنه الخروج منها مهما تعدّدت الوسائل، كما أنه اقرب الى الخلاف مع المسؤولين الرسميين والسياسيين منه الى تذليل العقبات بينهم، ولا يعوّل عليه ان يكون الحل لهذه المشكلة.

في الخلاصة، يمكن القول ان اللاعبين انفسهم هم المشكلة والحل، وليس هناك من شخص واحد قادر على ان يكون "المنقذ"، والخوف الا تتمكن الحكومة العتيدة حتى لو تشكلت، من ان تكون هي ايضاً المنقذ المنتظر في ظل الخلافات التي يتوقع أن تسود بين اعضائها. وعندها نكون امام المشاكل نفسها، انما مع حلول غير موجودة الا في الاذهان، دون القدرة على التنفيذ.