لم يكن صدى التصريحات الأميركية بشأن حلف بين ال​اسرائيل​يين و"العرب المعتدلين" مريحاً في ​تل أبيب​. خرجت أصوات اسرائيليّة للقول: ما الحاجة لنا في تحالف مع السعوديّة و مصر و ​الأردن​؟.

تريد ​واشنطن​ هكذا تحالف لوضعه في مواجهة ​ايران​، بعدما فشلت الضغوط الدوليّة في وقف "التوسع الايراني" في ​العراق​ و​سوريا​ و​لبنان​ و​اليمن​ وغزة. تُقرّ ​الصحافة​ العبرية بتعاظم الادوار الإيرانيّة في اتّجاهات عدّة، رغم العقوبات المفروضة عليها. في السابق كان يمكن ان تعوّل اسرائيل على الأتراك، لكن حكم ​رجب طيب اردوغان​ في إطاره الاسلامي، الغى بالنسبة الى ​تل ابيب​، "امكانيّة تجنيد تركيّا ضدّ ايران". من هنا جاءت فكرة البديل العربي، الذي يعيش قلقاً حقيقيّا من التوسع الايراني، غذّاه الاميركيّون في السنوات الماضية، لاستخدامه لمصلحة سياسات واشنطن في المنطقة. لكن بعد قرار انسحاب الأميركيين من سوريا، واعتماد واشنطن على الحلفاء لضبطها، اصيبت تلّ ابيب بالارباك المتزايد: ماذا تفعل؟ هل تعتمد على تلك الدول العربيّة؟ الجواب جاء في ​مقالات​ سياسيّة لكتّاب اسرائيليين: "تلك الدول هي انظمة ضعيفة ومهزوزة، أساس مقّدراتها متّجهة لقمع المعارضة في الداخل".

هنا تعتبر تلّ ابيب انّ وضع تلك الانظمة في مواجهة ايران، لا يساوي شيئا ملموسا، سوى حالة اعلاميّة معنويّة، لا اكثر ولا اقل. لذلك قالوا: "يبيعوننا حلفاً معهم كوزن مضاد لايران، ولكن رؤيا الارتباط بتلك الانظمة مدحوضة من الأساس: تماثل مصالح محدود وموقّت معهم، لا يستحقّ الثمن الذي سيطالبون به".

تقف اسرائيل عند الرفض الشعبي في تلك الدول للتعاون مع تل ابيب. رغم كل التحشيد، والترهيب، والترغيب، والتقريب، لا تزال الشعوب العربيّة ترفض التحالف مع ​إسرائيل​. فكيف ستقاتل تلك الانظمة مع اسرائيل ضد ايران؟ ومن يقاتل؟ اكثر ما يمكن الاستحصال عليه الآن هو تعاون سرّي سياسي او استخباراتي او اقتصادي بين الاسرائيليين وتلك الأنظمة.

يعتقد الاسرائيليون أن شعوب "العرب المعتدلين" لا تزال مرتبطة بالايديولوجيّة القائمة على معاداة إسرائيل. هذا يمنع التطبيع الكامل والآمن مع اسرائيل. لذلك تسأل تل ابيب: ما حاجتي "للعرب المعتدلين"؟ لا بل يكتب صحافيوها: هم بحاحة الينا، لكن لا يمكن الاعتماد عليهم، لأنهم انظمة تخشى من الانقلابات، والاحتجاجات الشعبية، انطلاقا من كون الارتباط ب​فلسطين​ و​القدس​ ديني بالاساس.

ومن هنا تأتي تصريحات ملك ​الاردن​ عبدالله الثاني عن أهميّة القدس في الوجدان الاردني والعربي والاسلامي، وعدم قدرة الرئيس المصري عبدالفتّاح السيسي في الاقدام على ايّ خطوة اضافيّة تجاه تلّ ابيب، وخشية وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان من إشهار وجود علاقة بين ​الرياض​ وتلّ أبيب.

الاسرائيليّون الذين كانوا يعتبرون انّ مجرد وجود مؤشرات طيّبة بينهم وبين أيّ عاصمة عربيّة هو انتصار لإسرائيل، بدّلوا من اولوياتهم، وصاروا يتحدثون عن خسائر تدفعها تلّ ابيب جرّاء تلك العلاقات، "لأن العرب من المعتدلين سيطالبون بأثمان باهظة جرّاء ايّ علاقة، وسيكبّلون أيدي اسرائيل، من خلال تجميد خطوات عسكرية، لمسايرتهم، وعدم احراجهم امام شعوبهم".

لعل ما أوردته صحيفة "​اسرائيل اليوم​" في مقال سياسي هو المؤشر الى التصرف الاسرائيلي: من المهم أن نعترف بان علينا ان نواجه بانفسنا التهديدات حولنا، ونوضح لأصدقائنا الاميركيين بانّ الحلف العربي، ليس فقط غير مجدٍ بل هو سند متهالك، من يعتمد عليه ستثقب كفّ يده".