ما كان رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ليتمسّك بخيار عقد القمة الاقتصاديّة في بيروت في موعدها المحدّد ويُشرف على استكمال آخر التحضيرات رغم كل الهرج والمرج المحيطين بها، لو كان يخوض هذا التحدّي وحيدا. اذ تفيد المعطيات بأنّ الحركة التي يقوم بها رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ ودفعه باتجاه تأجيلها وصولا الى خطوات تصعيديّة قد يدعو أنصاره الى اعتمادها، كلها غير منسّقة مع النّظام في سوريا كما انها لا تحظى بالدعم الكامل من قبل "حزب الله".

ويتحرّك عون مظلّلا بغطاء داخلي محلي كما بآخر اقليمي دولي لاستضافة القمّة الاقتصاديّة. وتشير مصادر مطّلعة الى انّه على تواصل مباشر عبر موفدين الى سوريا، الّتي تتفهّم تماما انعقاد القمة بغيابها. وتلفت المصادر الى أن "حزب الله" يترك من جهته الموضوع كذلك للتقدير السوري ولا يجد نفسه مضطرا للتشدّد في اعتماد أي من الاتجاهات او الخروج علنا لدعم موقف أي من حليفيه بوجه الآخر، خاصة وأنه يُدرك أن أي خطوة غير محسوبة بالنسبة له قد يكون ثمنها باهظا جدا بعد اشتداد الكباش الّذي طاف الى العلن مجددا بين عون وبري بشكل غير مسبوق.

في هذا السيّاق لم تخرج القوى السياسيّة الرئيسيّة لتعلن تأييدها لموقف بري الداعي لتأجيل القمّة، وان كان ​المجلس الشيعي الأعلى​ الذي حضر اجتماعه مؤخرا النواب الشيعة أبدى تحفظا على دعوة ليبيا اليها من دون التطرق لموضوع عدم دعوة سوريا أو تأجيل القمّة. فتيار "المستقبل" يقف خلف عون في اصراره على عدم اظهار لبنان دولة فاشلة غير قادرة على استضافة اجتماعات على هذا المستوى، تماما كباقي القوى سواء "القوات اللبنانيّة" أو "التقدّمي الاشتراكي"، حيث تجنبا الخروج للمجاهرة بموقفهما لعدم "اغضاب" رئيس المجلس النيابي، ما يُعكّر علاقتهما الممتازة به.

وتعتبر المصادر أنّ ما رشح مؤخرا عن نيّة ليبيا الاعتذار عن المشاركة في قمّة بيروت من شأنِه أن يكون مخرجًا مناسبًا للمأزق الراهن، وان كان ذلك لن يلغي اصرار بري على التأجيل. وترجح المصادر أن يعمد رئيس المجلس النيابي الى مقاطعة كل الاجتماعات التي ستعقد تحت مظلّة القمّة، كما الى دعوة انصاره للتظاهر في الشارع في حال أصرّ الليبيّون على المشاركة فيها. وتضيف: "البعض يُظهّر موقف بري المتشدّد كأنه موجّه ضدّ الرئيس عون، لكنه بالحقيقة يعبّر عن مشكلة لديه مع سوريا يقوم بالمستحيل لمعالجتها، وهو يعتبر أنّ الظرف اليوم أكثر من مناسب لاستعادة علاقته المميّزة بدمشق، لا سيّما وأنه كان على مرّ عشرات السنوات الماضية رجلها المفضّل لديها في لبنان، وقد كان البعض يتعاطى معه على أنه المندوب السوري السامي في بيروت".

وفي خضم شدّ الحبال وسعي كل طرف لتحسين موقعه، يضيع الملفّ الحكومي بين عشرات الملفّات الأخرى، فيكاد يتحوّل الى استحقاق ثانويّ مع توقّف المشاورات كليًّا واقتناع كل الفرقاء بأنّ الموضوع بات معلقا الى أجل غير مسمى. وفي هذا المجال، تقول المصادر: "انعدام الثقة بين كل الفرقاء دون استثناء، كما الخوف والطمع والجشع يسيطرون على الفرقاء المحليين والاقليميين على حد سواء، وكلها عوامل تتلاقى لتؤكد أن لا حكومة ولا من يحكمون في المدى المنظور".

وبانتظار تمرير استحقاق القمّة هذا الأسبوع بالحد الأدنى من الخسائر، سيكون على مختلف القوى بعد ذلك أن تعمد الى محاولة التصدّي للقطار الحكومي، الذي بات يعود سريعا الى الخلف بعد مرحلة من المراوحة في محطة "العقدة السنّية". فهل تطيح الخسائر المتراكمة والمواجهات المفتوحة بكل ما تم تحقيقه في الأشهر الـ8 الماضية على الصعيد الحكومي؟ ام انه ستسري أخيرا مفاعيل المثل القائل: "اشتدي أزمة تنفرجي"؟!.