أكّد القانون أنّ "جريمة الخطف هي جريمة متمادية لا تسقط بمرور الزمن"، فكيف إن كانت هذه الجريمة قد حصلت على رجل بحجم الإمام ​موسى الصدر​، ورفيقيه، ​الشيخ محمد يعقوب​ والصحافي ​عباس بدر الدين​، فرغم مرور 40 عاما على هذه الجريمة التي ارتكبها الرئيس الليبي المخلوع ​معمر القذافي​، لا تزال مؤثّرة في حاضر ​لبنان​ السياسي الذي يطالب بكشف مصير الصدر وأخويه بأسرع وقت ممكن.

شكّلت ​القمة العربية الاقتصادية​ التي عُقدت في ​بيروت​ الأسبوع الماضي فرصة لتسليط ​الضوء​ على التقصير الليبي مع هذه القضية الوطنيّة، فكان اعتراض ​حركة امل​ على حضور ​ليبيا​ بوفد رسمي رفيع، وتلاه إنزال العلم الليبي ورفع مكانه علم ​حركة أمل​، بالاضافة الى امتناع ليبيا عن الحضور الى القمّة، ومطالبتها باعتذار، مرورا بموقف المتحدث الرسمي باسم ​الجيش الليبي​ العميد أحمد المسماري الذي أشار في بيانه الى "موت" الإمام الصدر، والردّ اللبناني عليه، وصولا الى حدّ اتهام بعض الشخصيّات اللبنانيّة لهيئة متابعة قضية موسى الصدر بالتقصير.

تأتي كل هذه الأحداث، بالتزامن مع انعقاد جلسة جديدة لهيئة ​المجلس العدلي​، في ​قصر العدل​، في بيروت يوم أمس، لمتابعة المحاكمة في قضية الإمام المغيّب موسى الصدر. جلسة شهدت تأجيلا للقضية إلى تاريخ 15 آذار بسبب انتظار القرار الاتّهامي النهائي الثاني للمحقق العدلي والذي لم يصدر بعد بانتظار انتهاء التحقيقات ​الجديدة​.

وفي هذا الإطار، يشرح المحامي المكلّف متابعة القضيّة ​شادي حسين​ مسار المحاكمة، مشيرا في حديث لـ"النشرة" الى أن القاضي الراحل ​سميح الحاج​ أصدر قرارا اتهاميا بتاريخ 21/8/2008 واحاله للمجلس العدلي طلب خلاله إنزال ​عقوبة الإعدام​ بحق معمر القذافي وستة من كبار معاونيه، بمقتضى المادة 569/218 من قانون العقوبات اللبناني لجهة التحريض على خطف وحجز حرية كل من سماحة الإمام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحفي السيد عباس بدر الدين، وأصدر أيضًا مذكرات إلقاء قبض بحق كل من المدعى عليهم ومذكرات تحرٍ دائم للأحد عشر منهم الآخرين، لمعرفة كامل هوياتهم تسهيلًا لجلبهم إلى القضاء العدلي والتحقيق معهم. في هذه المرحلة لم يوفّق ​القضاء اللبناني​ في تعميم مذكرات التوقيف عبر الإنتربول.

قبل صدور الحكم من المجلس العدلي، قُتل معمر القذافي، فطلبت هيئة الإدعاء في قضية الصدر، من وزارة الخارجيّة اللبنانيّة الحصول على وثيقة رسميّة من الدولة الليبيّة تُثبت موت الرئيس الليبي، وذلك لاتخاذ الاجراءات القانونيّة حسب قانون اصول المحاكمات الجزائيّة، الامر الذي لم يحصل حتى تاريخ كتابة هذا المقال بسبب عدم تجاوب ليبيا مع مطلب الوزارة.

ما يجب على الرأي العام معرفته هو انه بعد سقوط النظام الليبي قام مقرّر لجنة المتابعة الرسميّة لقضيّة الإمام موسى الصدر ورفيقيه القاضي ​حسن الشامي​ بزيارة ليبيا أكثر من مرة، بالإضافة الى بلدان اخرى، والتقى بأشخاص على علاقة بالملفّ وجمع معلومات جديدة ومهمة عن متورطين بعمليّة الخطف، وقامت عائلة الإمام الصدر بادعاء شخصي أمام المحقق العدلي ضد أشخاص جدد آخرهم ​هنيبعل القذافي​، الأمر الذي أعاد خلط أوراق القضيّة ودفع المحقق العدلي ​زاهر حمادة​ للتحقيق مجددا والعمل على تحضير قرار اتهامي جديد يحيله أمام المجلس العدلي لإصدار الأحكام.

اذا، لا يشكل تأجيل الجلسات بحسب المحامي شادي حسين تضييعا للوقت كما يحب البعض أن يقول، ولكنه ضروري لسير المحاكمة، كاشفا أن محاولة البعض احراجنا عبر إلقاء التهم لن يجرّنا الى كشف معطيات في التحقيقات الّتي يجب أن تبقى سريّة التزاما بالقانون. ويضيف: "لا شك ان مسلسل المؤامرات لا زال مستمرا فهناك محاولات لتشويه القضيّة وبالتالي تشويه صورة الامام والاساءة له، وهذه الهجمات تحمل أبعادا سياسية، وأخرى ماديّة.

لا يرى حسين بكلام المتحدّث بإسم الجيش الليبي مادة تستحق التوقف عندها، اذ يرى كلامه ناتجا عن ردّة فعل، وما يعني لبنان هو الاتفاق مع الدولة الليبيّة الذي يحمل إقرارا منها أن الإمام الصدر ورفيقيه تعرضوا لعمليّة خطف، والتعامل مع القضيّة يجري على هذا الأساس.

في 13 أيلول من العام 1978 أي بعد 13 يوما على عمليّة الخطف، أوفدت ​الحكومة اللبنانية​ بعثة أمنيّة إلى ليبيا، لاستجلاء القضيّة فرفضت السلطة الليبيّة السماح لها بالدخول، ومنذ ذلك التاريخ بدأت محاولة القذافي وأعوانه التعمية على القضية، الامر الذي لم يتبدّل مع سقوط نظام الرئيس الليبي السابق وبروز فجر نظام جديد، وهذا لبّ المشكلة مع ليبيا "القديمة الجديدة".