أَشارَ الأَمينُ العامُّ لـِ"حِزْبِ الله" السَّيِّد حَسَن نَصْر الله، في حَدِيثِه السَّبتَ الماضي إِلى مَسْأَلَةِ الفَسادِ في لُبْنان. وشدَّد السَّيِّدُ على وجُوبِ البَدْء أَوَّلاً بِتَشْريع قَوانينَ تَحدُّ مِن الفَساد المُسْتَشري، لأَنَّه في لُبْنان "مُقَوْنَن" بِدَليلِ أَنَّ القانونَ المَعمولَ بِهِ يَسْمَحُ بـِ"التَّلْزيمِ بالتَّراضي" وهُنا مَكمَنُ الفَسادِ. ولا شكَّ أَنَّ "حِزْبَ الله"، حِين ذَهَب إِلى مُحارَبَةِ الفَساد، اسْتَلْزَمَ مِنْه الأَمْرُ نِقاشًا عَميقًا داخِل "الشُّورى"... والحِزْبُ يُدْرِك أَنَّ حَرْبَه هذه المَرَّة على جَبَهاتٍ مُتَعَدِّدَة تَبْدَأ مِن بَعْضِ المُوَظَّفين والهَيْئات والبلديَّات، مُرورًا بِبَعضِ الحُلَفاءِ... وقَد أَسَّس "حِزْبُ الله" مِلَفًا مُرْتَبِطًا بِأَمينِه العامِّ مُباشَرَةً، ومِن أَبْرَزِ ما قام بِهِ بَعِيدًا من الأَضْواءِ تَفْعيلُ "لَجْنَةِ العَمَل الحُكُوميِّ الَّتي يَرْأَسُها نائِب الأَمين العامِّ الشَّيْخ نَعيم قاسِم، المَشْهُودِ لَهُ بِصَرامَتِه.

هي لَجْنَةٌ تُحاكي "حُكُومَة الظِّلِّ" بما فيها مِن تَحْضيرٍ للمِلفَّاتِ، ومُواكَبَة لِكُلِّ بَنْدٍ وتَفْصيلٍ على جَدْوَلِ أَعْمالِ مَجْلِس الوزَراءِ. ومِن المِلفَّات السَّاخِنَة أَمامَ اللَّجْنَة، قانُونُ إِدارَةِ المُناقَصاتِ، لِقَطْعِ الطَّريقِ على صَفَقاتِ التَّلْزيم بالتَّراضي الَّتي أَشارَ إِلَيْها السَّيِّد نَصْر الله في إِطْلالَتِه الإِعْلاميَّةِ السَّبْت. ولِذا يُحَضِّرُ الحِزْبُ "الجَبْهَة" قُبَيْل المُواجَهَةِ إِذ سَيَكونُ تَشْكيلُ الحُكومَةِ ساعَةَ صِفْرٍ للبَدْءِ بالمَعْرَكة. وقد لا يَكُون مِن السَّهْل على "حِزْب الله"، إِقْناعُ بَعْضِ حُلَفائِه بالتَّخلِّي عَن سِياسَةِ إِدارَة الدَّوْلة مِن خارِج إِدارَةِ المُناقَصاتِ على سَبيلِ المِثالِ، وتَبْدو مَعْرَكةُ الحِزْبِ مُخْتَلِفة هذه المَرَّة وأَشَدَّ ضَراوةً مِن كُلِّ ما سَبَق. وعَلَيْهِ هذه المَرَّة المُرور عَبْر إِدارَةِ الدَّوْلَة "الغارِقَة في الفاسِدين على عَكْسِ مَعارِكه العَسْكَريَّةِ الَّتي لا تَعْرِف الوقوفَ عَلى حَواجِزِ النِّظام.

إِلى ذَلِكَ تَكْمُن المَسْأَلة الأَوَّليَّة لمُحارَبَةِ الفَسادِ في تَفْعيلِ الهَيْئات الرِّقابيَّةِ المَوْجودَةِ والمَعْنِيَّة بِمُتابعة الإِدارة اللُّبْنانيَّة، بَدْءًا بتَعْديل قَوانين تَسْمَح بِمُمارسَةِ الصَّلاحِيَّات في شَكْلٍ أَفْضَل...

لِذا تَقَدَّم "حِزْب الله" باقْتِراحَيْ قانونٍ في هذا الشَّأْن، فيما النِّقاشات مُسْتَمِرَّةٌ أَيْضًا لإِقْرار "قانون الهَيْئَةِ الوَطَنِيَّة لمُكافَحَةِ الفَسادِ"، والعَمَلُ جارٍ لتَعْزيزِ الدَّور الرِّقابيِّ في مَجْلس النُّوَّاب. ويَتَرقَّبُ "حِزْبُ الله" المَوْقِفَ الحَقيقيَّ للقِوى السِّياسِيَّةِ اللُّبْنانِيَّةِ والكُتَلِ النِّيابيَّةِ، سَيَظْهَر بَعْد طَرْحِ قانونِ إِخْضاعِ كُلِّ صَفَقاتِ الدَّوْلة لإِدارَةِ المُناقَصاتِ العُمومِيَّةِ أَو في تَوْسيعِ صَلاحِيَّاتِ الهَيْئَة العُلْيا للتَّأْديبِ. وسيَطْلُبُ الحِزْبُ أَنْ يَكُونَ التَّصْويتُ بالأَسْماءِ على مَوْضوعِ اقْتِراحِ إِخْضاعِ صَفَقاتِ الدَّوْلة لإِدارَةِ المُناقَصاتِ العُمومِيَّةِ إِذا عُرِضَ...

غَيْر أنَّ ثمَّة نَظَريَّة أُخْرى تَرى أَنَّ خُطُواتِ مُحارَبَةِ الفَساد تَبْدَأُ بِدِراسَةِ أَنْواعِ حُصولِه وأَسْبابِهِ ما يُفْضي إِلى الحُلولِ المُناسِبَةِ. ومِن الطُّرُق المُقْتَرحَة لمُحارَبَة الفَسادِ، إِنْشاءُ جيلٍ نَظِيفٍ قائمٍ على الأَخْلاقِ، وتَنْمِيَةِ روح الانْتِماءِ إِلى الوَطَن وحبِّه وتَقْديمِ مَصْلَحَتِهِ على المَصْلَحَةِ الشَّخْصِيَّةِ، وتَوَخِّي الحيطَةِ والحَذَر خِلالَ تَعْيينِ الأَشْخاصِ في المَناصِبِ الماليَّةِ بالذَّاتِ، إِذْ لَيْس مِن الصَّائِبِ تَعْيينُ شَخْصٍ مَعْروفٍ بِقَبوله بالرَّشْوَة في أَيِّ مَنْصِبٍ ماليٍّ. وكَذَلِك على الحِزْبِ وَضْعُ القَوانين والأَنْظِمَةِ الصَّارِمةِ في مُحارَبَةِ الفَسادِ ومُلاحَقَةِ الفاسِدين... وتَفْعيلُ دَوْرِ الإِعْلامِ في كُلِّ أَشْكالِه، مِن خِلالِ تَوْعِيَة النَّاس في شَأْن أَنْواعِ الفَساد، وطُرُقِ التَّعاونِ معًا للْقَضاء عَلَيْه.

إِشارَة إِلى أَنَّ اتِّفاق الأُمم المُتَّحدة لمُكافَحَةِ الفَساد (UNCAC) أَجازَ للحُكُومَة اللُّبْنانيَّة، بِموجب القانون رقم 33 تاريخ 16/10/2008، وبِموجَب القانون 32 الصَّادِرِ في التَّاريخِ نَفْسِهِ، وأعطى "هَيْئَة التَّحْقيقِ الخاصَّة" حَصْرِيًّا، صَلاحيَّةَ تَجْميد السرِّية المَصْرِفيَّة عن الحِسابات المَصْرفيَّة، تطبيقًا للاتِّفاقات والقَوانين المَرْعيَّة الإِجْراءِ، المُتَعلِّقَةِ بِمُكافَحَةِ الفَساد...

وأَمَّا اتِّفاقيَّةُ الأُمَم المُتَّحِدة لِمُكافَحَةِ الفَساد، فَقَد وَرَد في المادَّة 5 مِنها، وتَحْتَ عُنْوان "سِياسات ومُمارَسات مُكافَحَة الفَساد الوقائيَّة": "تَقُوم كلُّ دَوْلةِ طَرَفٍ، وَفقًا للمَبادِئ الأَساسيَّةِ لِنِظامِها القانونيِّ، بوَضْع سِياساتٍ فَعَّالَةٍ وتَنْفيذِها أَو تَرْسيخِها، تَكُونُ مُنَسَّقَةً لمُكافَحَةِ الفَسادِ، وتُعزِّز مُشارَكة المُجْتَمَع، كَما وتُجسِّدُ مَبادئ سِيادة القانونِ وحُسْنِ إِدارَةِ الشُّؤونِ والمُمْتَلكاتِ العُموميَّةِ والنَّزاهة والشَّفافيَّة والمُساءَلَة".

كما ونَصَّت المادَّة 6، في شَاْنِ هَيْئة أوهَيْئات مُكافَحة الفَساد الوقائيَّة: "تَكْفَلُ كُلُّ دَوْلَة ٍطَرَفٍ، وَفْقًا للمَبادِئ الأَساسيَّةِ لِنِظامِها القانونيِّ، وجودَ هَيْئَةٍ أَو هَيْئاتٍ،بِحسب الاقْتِضاء، تتولَّى مَنْعَ الفَسادِ، بِوَسائِل مِثْل "تَنْفيذ السِّياسات المُشارِ إِلَيْها في المادَّة 5 مِن هَذِه الاتِّفاقيَّة، والإِشراف على تَنْفيذ تلك السِّياساتِ وتَنْسيقِها، عند الاقتضاء".