في نهاية النُصف الأوّل من آذار المُقبل، ستستضيف العاصمة البلجيكيّة ​بروكسيل​، مؤتمرًا جديدًا بشأن مُستقبل ​سوريا​، لجهة تحديد أطر التحوّل السياسي مع إنحسار الأعمال العسكريّة، وتحديد دور الأمم المُتحدة والمُجتمع الدَولي في مرحلة إعادة الإعمار، وخُصوصًا تحديد سُبل توفير المُساعدات الإنسانيّة للشعب السوري وتذليل العقبات القائمة أمام عودة النازحين السُوريّين. فماذا يفعل ​لبنان​ للدفع نحو حلّ هذا الملفّ الذي أرهقه إقتصاديًا وماليًا وحياتيًا، والذي بدأ يُنذر جدّيًا بتغيير ديمغرافي خطير على مُستوى التوازنات الطائفيّة والمذهبيّة الهشّة أساساً؟.

بحسب المَعلومات المُتوفّرة، إنّ وزير الخارجيّة والمُغتربين ​جبران باسيل​ ينوي التحرّك دبلوماسيًا بقُوّة خلال الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة الفاصلة عن مُؤتمر "بروكسيل 3"، في مُحاولة لتحضير الأرضيّة المناسبة لإنتزاع قرارات تنفيذيّة في المؤتمر المذكور تصبّ في خانة البدء عمليًا في عودة هؤلاء بشكل جَماعي واسع، أو أقلّه إنتزاع تعهّدات بتواريخ قريبة وواضحة بحُصول هذا الأمر. ويعمل الوزير باسيل منذ فترة على أكثر من خط لتحريك هذا الملفّ، علمًا أنّه وجّه أخيرًا سلسلة من الرسائل إلى مسؤولين في الأمم والمتحدة وفي المُفوّضية الأوروبيّة لشؤون ​اللاجئين​ وفي بعض مراكز القرار العربي، للعمل على تطبيق القرارات التي صدرت بشأن النازحين عن مؤتمر القمّة العربية التنمويّة الإقتصاديّة والإجتماعيّة التي عُقدت أخيرًا في ​بيروت​. وعلى خطّ مُواز، زار وزير الدولة لشؤون النازحين ​صالح الغريب​ سوريا في الأيّام القليلة الماضية، حيث تباحث مع وزير الإدارة المحليّة و​البيئة​ في سوريا ​حسين مخلوف​، في سُبل تأمين عودة النازحين السُوريّين إلى بلادهم. لكنّ هذه التحرّكات لا تحظى بإجماع حُكومي لبناني ولا بإجماع سياسي داخلي، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة إستفهام بشأن نتائجها، خاصة في ظلّ إستمرار التمييع الدَولي لهذه القضيّة في إنتظار تبلور التسوية النهائية في سوريا.

تذكير أنّ القرارات التي كانت قد صدرت عن مُؤتمري "بروكسيل 1" و"بروكسيل 2" كانت أكّدت أهميّة الدور الذي تلعبه الدُول المُضيفة للنازحين السُوريّين، ومنها لبنان، وكانت أمّنت مجموعة واسعة من المُساعدات تركّزت كلّها على المدى ​القصير​ والآني، ولم تؤسّس لأي عودة فعليّة واسعة وطويلة الأمد لهم. فهل ستنجح التحرّكات المُتصاعدة التي يقوم بها لُبنان في تغيير هذا النمط، بحيث يخرج مؤتمر "بروكسيل 3" بخطة واضحة تُعيد السُوريّين إلى بلادهم وفق جداول زمنيّة مُنظّمة وقريبة، أم أنّ لبنان سيبقى يدور في حلقة مُفرغة في هذا الملفّ، في إنتظار الحلول والتسويات الدَوليّة الخاصة بالملفّ السُوري والتي طال إنتظارها؟ والأخطر هل ستكون هذه الحُلول والتسويات التي لا بُدّ أن تأخذ في الدرجة الأولى مصالح الدول المُشاركة فيها، على حساب لبنان ومصالحه؟.

لا أجوبة واضحة حتى الساعة، والمُشكلة أنّ لبنان الرسمي لا يزال حتى اليوم يتعامل مع الموضوع بمنظارين مختلفين، حيث تُشدّد مجموعة من القُوى السياسيّة على ضرورة الشروع فورًا ومن دون أي إبطاء في عودة النازحين السوريّين إلى بلادهم، وعلى ضرورة أن يتحمّل المُجتمع الدولي دوره في هذا المجال، لأنّ طاقة لبنان على تحمّل هذا العبء إستنفدت نهائيًا، وإيجاد الحلول التطبيقيّة لهذه العودة ليس من مسؤوليّته! في المُقابل، تُشدّد مجموعة أخرى من القوى السياسيّة على أهميّة عودة النازحين السوريّين في نهاية المطاف، لكن ليس بشكل مُتسرّع ومن دون غطاء عربي ودولي، ومن دون ضمانات لأمن العائدين، وليس عبر تصاريح ومواقف وتحرّكات إعلاميّة لن تُعدّل حرفًا مِمّا هو مُقرّر على أعلى المُستويات الدَوليّة، ولن تفيد سوى بتعويم النظام السُوري سياسيًا من دون أيّ عودة فعليّة للنازحين! وقد تكون جلسة ​مجلس الوزراء​ الفعليّة الأولى المُرتقبة الخميس، محطّة إختبار لمدى تقارب أو تباعد الموقف اللبناني من هذا الملف الشائك، حيث ستكون الأنظار شاخصة إلى القرارات التي ستخرج عن مجلس الوزراء مُجتمعًا بالنسبة إلى هذا الموضوع الخلافي، علمًا أنّ طلائع الخلافات في هذا الصدد آخذة بالإزدياد، لا سيّما لجهة رفض رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ تجاوز قرارات مجلس الوزراء مُجتمعًا، وإصرار بعض الوزراء على التحرّك فرديًا بغطاء سياسي من مرجعيّات فاعلة ومن أحزاب وتيّارات أساسيّة.

وفي إنتظار خروج الدُخّان الأبيض من الأسود، إن بالنسبة إلى الموقف اللبناني الرسمي من ملفّ النازحين، أو بالنسبة إلى الموقف الدَولي من هذا الملفّ الشهر المقبل، لا يزال النازحون يستفيدون من الإنقسام اللبناني ومن التردّد الدَولي. وبالتالي، قد يكون الوقت قد حان لإتخاذ لُبنان قرارات ميدانيّة تضبط اليد العاملة السُورية، عبر إرغام المؤسّسات و​المصانع​ وكلّ أصحاب العمل والمهن والتجّار في لبنان، على إعطاء الأولويّة لليدّ العاملة اللبنانيّة مع تحديد نسب صغيرة للعمالة الأجنبيّة، بحيث يسحب لُبنان التشجيع غير المُباشر الذي يُقدّمه للنازحين الذين وجدوا فيه ملاذًا آمنًا ومُستقرًا ومناسبًا للعمل ولتعليم أولادهم! وقد يكون الوقت حان أيضًا لإتخاذ المُجتمع الدَولي قرارات ميدانيّة تُشجّع النازحين على العودة، من خلال دفع المُساعدات لهم في أرضهم فقط وليس في أي أرض ٍأجنبيّة، وعبر تأمين غطاء سياسي دَولي يكفل أمن العائدين برعاية أمميّة.