في كانون الثاني الماضي إنعقدت ​القمة العربية​ الاقتصادية في ​بيروت​، وبعد ايام قليلة ستعقد القمة العربية الاوروبية في ​شرم الشيخ​، وفي الشهر المقبل ستعقد القمة العربية في دورتها العادية في تونس.

المشترك بين هذه القمم الثلاث هو العنوان السوري. فلا ​سوريا​ دعيت الى قمة بيروت، ولم تدع الى قمة شرم الشيخ، ولن تدعى الى قمة تونس. وهذا معناه انّ سوريا ما زالت خارج حضن ​جامعة الدول العربية​، وانّ «الفيتو» العربي المغطّى دولياً، ما زال قائماً ويقطع عليها طريق العودة الى الجامعة.

بقاء مقعد سوريا شاغراً في الجامعة العربية، وايضاً في القمم العربية او تلك المشتركة مع غير العرب، يخالف التوقعات التي سادت في الاشهر الاخيرة، والتي قالت إنّ إعادة ربط العلاقات العربية مع سوريا على وشك ان تصبح امراً واقعاً بما يُنهي قطيعة مع دمشق منذ آذار 2011. ولعل باكورة هذا الامر الواقع تتجلى في اعلان جامعة الدول العربية اعادة سوريا الى حضنها، بعدما كانت قد أوقفت عضويتها فيها منذ بداية الازمة السورية.

عودة سوريا، نظرت اليها قراءة ديبلوماسية عربية على انها ضرورة يجب ان تحصل عاجلاً او آجلاً، كونها من جهة تعيد ربط الجسم العربي بعضه ببعض، وتمهّد لنزع ما يَشوب علاقة سوريا بالعرب من التباسات وإشكالات، وتطوي حقبة صدامية ما زالت قائمة حتى الآن. وكونها من جهة ثانية تنطوي على مفاعيل مباشرة على ​لبنان​ بالدرجة الاولى، إذ من شأن عودة سوريا الى الجامعة، ولبنان عضو فاعل ومؤسّسس فيها، أن تساهم في نزع فتيل اشتباك لبناني دائم حول سوريا.

معلوم هنا انّ لبنان منقسم حيال سوريا، بين فريق يناصبها الخصومة وحتى العداء ويرفض الانفتاح عليها، أو إعادة ربط العلاقة مع نظام ​بشار الاسد​، حتى انّ بعض هذا الفريق الذي يتصدره الرئيس ​سعد الحريري​ قطعَ على نفسه عهداً بعدم مَد اليد اليها، وبلغ به الأمر حد الاعراب عن الندم على لحظة انفتاح مرّ بها حيال سوريا ورئيسها بشار الاسد. وبين فريق حليف لسوريا يعتبر التلاقي معها اكثر من ضرورة وقرّر ان يجعل من ملف العلاقة معها عنواناً دائماً، سواء على مستوى المشهد السياسي العام او على مستوى مجلس الوزراء ان على صعيد الاقتصاد على اعتبار انّ سوريا ممر إلزامي للصادرات اللبنانية او على الصعيد الامني والحدود المشتركة، او على صعيد النازحين وضرورة التنسيق بين الدولتين لإعادتهم الى سوريا، او على صعيد ​الكهرباء​ ومسألة استجرار الطاقة او استئجارها. وغيرها من المجالات التي ما زال هذا الفريق الحليف لسوريا يرفع حيالها شعار: شعب واحد في دولتين!

اللافت في القراءة الديبلوماسية العربية، إقرارها بأنّ كرة عودة سوريا الى الجامعة العربية ليست في ملعب الجامعة وحدها، بل هي ايضا في الملعب السوري. ربما بقدر اكبر ممّا هو عليه لدى الجامعة. وتبعاً لذلك، هذه العودة ما زالت مؤجلة لا بل معقدة، وتحتاج الى جهود كبرى لإنضاجها. تبعاً للنطرتين المتباعدتين حيال هذه العودة.

فسوريا بحسب هذه القراءة تريد العودة على طريقتها، وعلى نحو يأتي بها الى الجامعة لتقول للعرب: انّ النظام الذي لَففتم حبل المشنقة حول رقبته لسنوات، وحاولتم ان تجعلوا منه نظاماً متهاوياً، تمكن من الافلات من قبضتكم، وتفاخر بعناصر الحماية المباشرة التي وفّرتها ​ايران​ و«حزب الله» والدخول الروسي المباشر. وأدت الى انقلاب الصورة، وفرضت في الميدان العسكري وقائع جديدة وقواعد اشتباك جديدة نَحت بالمشهد السوري السياسي والعسكري في اتجاه معاكس لِما تَوخّته الحملة الدولية والعربية بإطاحة نظام الاسد. بينما الجامعة في المقابل، وكما تلحظ القراءة الديبلوماسية، تريد ان تعود سوريا الى حضنها، وبالفعل حصل نقاش داخل الجامعة في الاشهر الاخيرة، تناول فكرة عودة سوريا، وتبنّى بعض العرب هذه الفكرة من خلفية الرغبة بإعادة لمّ الشمل العربي في ظل الظروف الاقليمية والدولية التي تتطلب حداً أدنى من التضامن بين العرب.

هذا النقاش على ما يقول صاحب القراءة، كان واقعيا، بحيث لم يذهب الى حد اقتراح طَي صفحة الماضي وتناسي كل ما جرى، والتوجّه نحو سوريا مباشرة والقول لها عودي الى الجامعة وعفا الله عمّا مضى. هكذا من دون مقدمات ولا مبررات، بل انّ هذه العودة يجب ان تتم بطريقة متأنيّة تخدم الجامعة والعرب، وليس بطريقة متسرعة، تأتي بنتائج عكسية على الجامعة، إذ بدل ان تجمع العرب تضرب الجامعة في بنيتها وفي هيبتها وتُفقدها حتى ماء الوجه، وصولاً الى حد سقوطها وانهيارها.

في خلاصة النقاش ، هذه العودة لها متطلباتها، والجامعة، وإن كانت راغبة بعودة سوريا، لا تستطيع ان تصدر قراراً بهذه العودة، هكذا من دون اي مبررات وأسباب موضوعية، فلو لجأت الى ذلك، فكأنّها تدين نفسها، وتعلن بشكل غير مباشر انها أخطأت في قرارها. العرب، بالتأكيد يريدون ان يظهروا في موقع مد اليد، ولكن هذا لا يعني ان يظهروا في النتيجة في موقع المهزوم.

لقد سبق ان أرسلت إشارات بالغة الايجابية في اتجاه دمشق، الّا انها لم تتلقفها كما يجب بل تجاهلتها ولم تَبن عليها. ومنها:

1- إعادة فتح ​السفارة الاماراتية​.

2- فتح قنوات التواصل مع دمشق وإن بصورة غير معلنة، وكذلك حصول إتصالات ولقاءات وزيارات على مستويات مختلفة سياسية واتصالات ديبلوماسية وغير ذلك.

3- إعراب بعض الدول العربية، وإن بشكل غير رسمي، عن رغبتها في إعادة ربط علاقاتها الديبلوماسية مع سوريا.

4- زيارة الرئيس السوداني ​عمر البشير​ التي كان يمكن ان تكون فاتحة لزيارات مماثلة، ولإنهاء القطيعة مع سوريا، وبالتالي إعلان الجامعة العربية اعادة سوريا الى حضنها بعدما كانت اوقفت عضويتها فيها منذ بداية الازمة السورية. وبالتأكيد، والكلام لصاحب القراءة، انّ زيارة البشير جاءت تتويجاً لمسار طويل تمّ رسمه داخل الغرف المغلقة، ولم تكن الدول الكبرى بعيدة عنه.

في خلاصة الكلام الديبلوماسي انّ الجامعة تقدمت خطوة، لكنّ ​النظام السوري​ لم يقدّم ما يشجّع على إكمال العودة. في نهاية المطاف ستعود سوريا، وهذه العودة تعني انّ عليها ان تعود كليّاً الى الحضن العربي، والتخلّي عن اي أحضان اخرى إقليمية وغير إقليمية. فأن تعود سوريا كما يرغب مسؤولوها لتقول للعرب لقد أخطأتم بحقي، وحاربتوني، وها أنا انتصرت وانتم هزمتم، فهذا لن يكون. لذلك، فإنّ العودة مؤجلة الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.