أصيب عدد من الوزراء بالذهول عندما ضرب ​الرئيس ميشال عون​ فجأة بيده على الطاولة، ثم رفع الجلسة الحكومية وغادر مقعده، من دون أن يفسح المجال أمام الأخذ والرد حول كلامه الحاسم في ما خصّ ملف ​النزوح السوري​. وقد وصف وزير مؤيّد لعون ما حصل بالآتي: «لقد قطع ​رئيس الجمهورية​ رأسَ الأفعى من أول الطريق، ووجّه رسالة حازمة مفادها أنّ مرحلة الدلع انتهت».

عندما اعتبر عون انّ ​الحكومة​ الحالية ستكون الاولى عملياً في عهده، مع أنها الثانية في الترتيب العددي، فإنه لم يربط ذلك فقط بكونها ستعكس توازنات أول مجلس نيابي يُنتخب على اساس ​النسبية​، وانما كان يقصد ضمناً انّ طبيعة سلوكها ونمط ادارته لجلساتها سيختلفان قياساً على الماضي، خصوصاً أنّ سمعة العهد ومصيره يتوقفان على ما ستفعله هذه الحكومة، ولا سيما في مجال معالجة الملفات الحساسة، ومنها ​مكافحة الفساد​ وإعادة ​النازحين السوريين​ الى وطنهم.

لم يكن أمراً عرضياً او عفوياً أن يعطي رئيس الجمهورية في الجلسة السابقة ل​مجلس الوزراء​ الأولوية لجدول الاعمال المتعلق بتسيير شؤون الناس والدولة، مؤجِّلاً ​النقاش​ السياسي الى المرحلة الأخيرة، بل هو تقصّد ذلك على قاعدة «الجدول أولاً».

ويحرص القريبون من عون على التأكيد أنّ موقفه لا يعني «أنّ الحكومة ممنوعة من التعاطي في الشأن السياسي، وإنما يرمي الى تغليب مصالح المواطنين وهمومهم على التجاذبات والسجالات التي كانت تلتهم في السابق كثيراً من الوقت والجهد، منطلقاً من أنّ شعار الحكومة ​الجديدة​ هو: «الى العمل».

أما جوهر موقف عون الداعم للتواصل مع دمشق بغية تسهيل عودة النازحين السوريين، فهو مصرّ عليه استناداً الى تقديره لما تقتضيه المصلحة العليا التي يعتبر أنه الأقدر، انطلاقاً من موقعه وواجباته، على تعريفها وتحديد متطلباتها حين تتعدد الاجتهادات وتنقسم الآراء، «وهذا ما يفعله حالياً لجهة الدفع في اتّجاه معالجة أزمة النزوح، كما إتّخذ سابقاً القرار باجتثاث ​الإرهاب​ من جذوره، وبخوض معركة ديبلوماسية لإخراج الرئيس ​سعد الحريري​ من أزمته السابقة في ​السعودية​، ودائماً وفق معيار المصلحة الوطنية»، على ما يقول المحيطون بعون.

لم يتحمل عون محاولة «القوات ال​لبنان​ية» تسجيل النقاط عليه في مسألة العلاقة ب​سوريا​، وما استوقفه أنّ «المزايدة» في هذا المجال، تمّت تحت سقف قاعة مجلس الوزراء التي دمّرها ​الجيش السوري​ خلال قصفه ل​قصر بعبدا​، أثناء وجود عون فيه عام 1990. ولذلك، لم يتردّد في المبادرة الى الرد بحدة على وزير «القوات» ​ريشار قيومجيان​ حين استعاد بعض فصول تلك الحقبة.

بالنسبة الى عون المعادلة واضحة: «يحاول المرء أن ينأى بنفسه عن أمراض الآخرين حتى لا تنتقل العدوى اليه، أما إذا كان هو مصاباً بالانفولونزا فلا يجوز له أن ينأى بنفسه عنها، بل ينبغي عليه أن يعالجها، لئلّا تتفاقم عوارضها وتتدهور صحته. لبنان يعاني حالياً من أزمة نزوح مستفحلة، وعلينا أن نأتي بالدواء للشفاء منها، ولو كان موجوداً في دمشق».

ولئن كان هناك مَن وضع «صمت» الرئيس سعد الحريري في مواجهة «عاصفة» عون التي هبّت على جلسة مجلس الوزراء، في سياق احتجاجي واعتراضي، غير أنّ مصادر قصر بعبدا لا تفهمه على هذا النحو، لافتة الى أنّ الحريري دخل في الاساس الى القاعة متجهِّماً ومستاءً بسبب قرار ​المجلس الدستوري​ الطعن بنيابة ​ديما جمالي​، «وبالتالي لا يصحّ تحميل عون تبعات إنزعاج الحريري من هذا القرار ولا يجوز وضع الرجلين في مواجهة بعضهما البعض»، متسائلة: «إذا كان رئيس الحكومة يعتبر أنّ عضو المجلس الدستوري أحمد تقي الدين بدّل رأيه في اتجاه اعتماد الطعن، فما ذنب رئيس الجمهورية وما علاقته بذلك؟

وتشير المصادر الى أنّ عون إحترم صمت الحريري، وهو بالتأكيد لم يكن في صدد ضرب صلاحياته، مشدِّدة على أنّ رئيس الجمهورية قارب تحدّي النزوح السوري من زاوية ما تستوجبه المصلحة اللبنانية العليا، «أما رسم السياسات التنفيذية والتعبير عنها، على هذا الصعيد، فهما من شأن الحكومة ورئيسها وفق الدستور».

وتعتبر المصادر القريبة من بعبدا أنّ التدقيق في ما جرى يقود الى الاستنتاج أنّ عون «أراح» بتصدّيه الشخصي لملف النازحين رئيس الحكومة من تبعات تفعيل التنسيق مع دمشق، وذلك على قاعدة «حُطها بصدري»، بمعنى أنّ تغطيته للانفتاح على سوريا في سياق تسريع عودة النازحين إنما يجب أن تعفي الحريري من حرج هذا الخيار وأعبائه، سواءٌ أمام قواعده أو أمام السعودية و​الولايات المتحدة الأميركية​.

في المقابل، يخشى معارضو استراتيجية عون من «أن يتحوّل ملف النازحين «حصان طروادة»، من شأنه أن يسمح بتعويم النفوذ السوري بذريعة الحاجة إلى التعاون مع نظام الرئيس ​بشار الأسد​ لتأمين معالجة هذا الملف».

وفي هذا الإطار، تمانع «القوات اللبنانية»، حسب مصاردها، تسديد دفعات سياسية مسبقة إلى الأسد، من جيب ​الدولة اللبنانية​، في مقابل تسهيلات مفترضة لإعادة النازحين، كمَن يشتري سمكاً في البحر، خارج الضمانات الدولية والانتظام العربي».