ليس من باب المصادفة أن يتحدث الأمين العام لـ«حزب الله» السيد ​حسن نصرالله​، ومن بعده بساعات الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني عن أيام صعبة مقبلة.

السيّد نصرالله أسهب، وللمرة الاولى ربما، في الحديث عن الضائقة الاقتصادية والمالية بسبب العقوبات المفروضة، ولكن «حزب الله» سيربح هذه المعركة. وروحاني قال انّ خيار المقاومة هو كل ما يمكن فعله.

لكنّ الرئيس الايراني أضاف في كلامه ما هو لافت حين تحدث عن قبول ​إيران​ التفاوض ولكن بعد ان تعود واشنطن عن قرارها حول ​الاتفاق النووي​، وان تعوّض إيران عمّا فات قبل الجلوس الى طاولة المفاوضات.

وفي بيروت قدم «حزب الله» وما يزال صورة جديدة عنه، إن من خلال مشاركته في الحكومة او من خلال برنامجه ل​مكافحة الفساد​، وهي صورة جديدة له مختلفة عن صورة المقاومة المسلحة التي طبعت سلوكه منذ نشأته.

لكنّ وزير الخارجية الاميركية ​مايك بومبيو​ الذي يزور ​لبنان​ في إطار جولة شرق أوسطية ثانية في غضون شهرين، يستعد لمزيد من الضغط على إيران و«حزب الله» على حد سواء. فالمرحلة بالنسبة الى واشنطن لا تسمح سوى بمزيد من الضغوط لأسباب عدة أهمها اثنان:

1 - النزاع الاميركي الداخلي والذي يكاد يخنق الرئيس ​دونالد ترامب​.

2 - الانتخابات الاسرائيلية الصعبة والتي تحشر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يراهن عليه ترامب لإمرار مشروعه «صفقة العصر»، ما يعني انّ التصعيد الاميركي سيبقى سائداً خلال الاسابيع المقبلة، ولو انه سيبقى في الاطار السياسي، ولن يذهب في الاتجاه العسكري مثلما يراهن البعض.

وخلال جلسة الاستماع للجنرال جون ابي زيد، المعيّن سفيراً لبلاده في ​السعودية​، قال ابي زيد بوضوح انه يريد الشرح «لأصدقائنا العرب أنّ المصالح الاميركية لا تسمح بالانزلاق في اتجاه حروب في الشرق الاوسط».

كذلك فإنّ السفير الاميركي في اسرائيل ​ديفيد فريدمان​، وهو المعروف بانحيازه الشديد ل​إسرائيل​، نقل عنه الاعلام الاسرائيلي قوله: «انهم في اسرائيل لا يفهمون أنّ هناك مصالح عالمية للولايات المتحدة الاميركية لا ترتبط بإسرائيل فقط. لقد نفّذنا خطوة هائلة وهي الاعتراف بالقدس ونقل السفارة اليها. والاسرائيليون بدلاً من أن يقولوا شكراً يريدون منّا اموراً اضافية. انه نكران للجميل».

صحيح انّ كلام فريدمان له علاقة بمطالب اسرائيلية اضافية على حساب الفلسطينيين، لكنه يعكس الى جانب كلام ابي زيد وجود قرار اميركي بعدم الانزلاق في اتجاه المجهول.

وهنالك ما هو اكثر. فوزير الخارجية الاميركية سيرفع سقف كلامه خلال لقاءاته المغلقة أثناء زيارة بيروت لساعات عدة.

وسيزور اسرائيل ايضاً للقاء رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل سفر الاخير الى واشنطن للمشاركة في مؤتمر اللوبي اليهودي «إيباك» السنوي.

والواضح انّ زيارته لإسرائيل تأتي في اطار الدعم الانتخابي غير المباشر لنتنياهو.

لكنّ بومبيو يتابع المحادثات المثيرة التي تدور في قطر يومياً وبعيداً عن الاعلام بين وفد اميركي متخصّص وآخر لحركة «طالبان» الافغانية. لا بل تشير المعلومات الى وجود احتمال مشاركة بومبيو شخصياً في احدى هذه الجلسات على رغم من معارضة مسؤولي وزارة الخارجية الكبار لهذا الأمر.

ذلك انّ وزير الخارجية الاميركية يعمل على ترجمة طلب رئيسه تأمين الظروف المطلوبة لإمرار «صفقة العصر»، التي ينوي الاعلان عنها في نهاية نيسان المقبل.

وفي شأن ​سوريا​، تشير التقارير الواردة الى واشنطن انّ إيران سحبت حتى الآن ما يُناهز ثلث قواتها. كذلك فإنّ «حزب الله» خفّف كثيراً من وحداته القتالية وأعادها الى لبنان. فالحرب في سوريا تكاد تنتهي، والنزاع بات يأخذ وجهاً آخر.

فطهران تريد اتفاقات اقتصادية مع سوريا وهو ما يوافق عليه الرئيس السوري ​بشار الاسد​، لكنّ المؤسسات العميقة في ​النظام السوري​ تحاول التملّص منه. الاسد اكد في طهران التزامه الكامل التحالف مع إيران، لكن ثمة من يتحسّس من هذا الامر.

وفي سوريا هنالك حساسية، وربما احتكاكات تحصل، بين الضباط الروس الذين يشرفون على تأهيل ​الجيش السوري​ وتحديداً الفيلق الخامس، وبين الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الاسد والتي يُشرف عليها الخبراء في ​الجيش الايراني​.

هذا التباين تراقبه واشنطن عن كثب وتتابعه بدقة، ومصلحتها تقضي بتوسيع الفجوة، وربما لذلك اراد ترامب الانسحاب من سوريا قبل ان يعدل عن خطوته لاحقاً بضغط ​الجيش الاميركي​.

وفي لبنان عندما اعلن نتنياهو إطلاق عملية «درع الشمال» وكشف عن الأنفاق، كان واضحاً انّ اسرائيل لا تضع خيار الحرب أمامها، وإلّا كانت احتفظت لنفسها بعنصر المفاجأة ودمّرت الانفاق لحظة دخول عناصر «حزب الله» اليها.

لا بل اكثر، فمع إطلاق نتنياهو عملية «درع الشمال» نقل «حزب الله» سريعاً كتيبتين من الوحدات القتالية المتخصصة بالعمليات الهجومية من سوريا الى جنوب لبنان. وفهمت اسرائيل رسالة «حزب الله» بأنه مستعد لاقتحام الحدود في حال بدأت العمليات العسكرية.

ومع إثارة موضوع معامل تصنيع الصواريخ وتحديد أهداف قرب ​مطار بيروت​، فهم «حزب الله» انّ نتنياهو يفتش عن نصر إعلامي، ذلك انه يعرف جيداً، وكذلك تعرف واشنطن، انّ الحزب ليست لديه مصانع للصواريخ، فهذه مسألة تفوق قدرته.

الأرجح انه يقوم بتفكيك الصواريخ الدقيقة التوجيه في سوريا وينقلها الى لبنان أجزاء قبل ان يعود ويجمعها، وهذه مسألة سهلة قابلة للحصول في أي منطقة.

وبالتالي قد يكون للتصعيد الاسرائيلي هدف يتعلق بترسيم الحدود البحرية، وهو ما يهدف اليه أيضاً التصعيد الاميركي الذي سيُتوّجه بومبيو. فشركة «اكسون موبيل» أعلنت عن اكتشاف حقل «غلافكوس» البحري جنوب غرب قبرص، وقبله اكتشفت شركتا «إني» الايطالية و«توتال» الفرنسية حقل كاليبسو قرب قبرص وقبلهما حقل «افروديت»، وهنالك اهتمام دولي بالغاز اللبناني حيث ستبدأ عمليات الحفر هذا الصيف.

في اختصار، هذه المنطقة غنية بالغاز، وتريد اسرائيل ترسيم الحدود البحرية للاستيلاء على الغاز وإبعاد صواريخ «حزب الله» عنها. وهنا يكمن جوهر التصعيد الاميركي الجديد.