منذ أيام أصدرت ​المحكمة العسكرية​ حكما غيابيا بالسجن 3 اشهر بحق الصحافي ادم شمس الدين بسبب منشور على موقع التواصل الاجتماعي ينتقد فيه ​المديرية العامة لأمن الدولة​. بشكل عام لن تجد من يُدافع عن منشور مسيء، ولكن ما نشره الزميل شمس الدين لا يحمل إهانات بل أسئلة وشكوك، بدأت مع قضية ​زياد عيتاني​ واستمرت الى غير قضايا، توصل الصحافي الى تبيان بعض خيوطها، فتمّ الإدعاء عليه.

نحن لا نثير هذه القضية للغوص بما أورده الزميل شمس الدين، بل للإضاءة على محاولات تقييد الحرية الشخصيّة والإعلاميّة في ​لبنان​، خصوصا ان "​النشرة​" تجد نفسها في الصفّ الأول للمدافعين عن الحريّة المسؤولة والمحترمة في آن. لم يكن حكم المحكمة العسكرية الأول من نوعه بسبب قضايا رأي، كما أنه لا يمكن بحسب المديرة في ​مهارات​ ​رولى مخايل​ أن تُقسم الحرية أو تُفصل بين مواطن وصحافي، فمبدأ الحرية لا يتجزّأ ولا يُفصل.

تشدّد مخايل في حديث لـ"النشرة" انّ من حق المواطن، صحافي، او ناشط أو غير ذلك، أن يُبدي رأيه في أيّ قضية تمسّ المجتمع بأكمله، وبالتالي فإنّ المؤسسات العامّة أو المسؤولين الذين يعملون في شؤون الناس ويؤثّرون على حياتهم، يجب أن يكونوا تحت مراقبة المواطنين، مشيرة الى أنه "سواء كان الأمر متعلّقا بمؤسسة أو شخص بمعرض أداء مهمة على علاقة بحياة المواطنين فنحن نملك الحقّ بإعطاء الرأي، خصوصًا عندما ننطلق في رأينا من قضايا سابقة ثبت فيها وجود الخطأ".

هل يُعقل أن تحكم المحاكم العسكريّة بقضايا رأي؟، اذا ما حُسبت هذه المسألة بالمنطق فنجدها منافية له، وهي لا تنافي المنطق فقط بل القوانين والدساتير وشرعة ​حقوق الانسان​. لذلك تشدد مخايل على ضرورة تأمين وتطوير الإطار التشريعي الذي يحمي "حريّة التعبير"، خصوصا عندما لا يترافق الخطاب مع كراهيّة وتشهير.

بعد أن دخلت الأحزاب السياسيّة لعبة الدعاوى، ضد ​صحافيين​ وناشطين بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أو ​مقالات​ بالصحف او تقارير تلفزيونيّة، بات من الصعوبة بمكان التفاؤل بقرب التوصّل نحو تطوير القوانين التي تحمي حريّة التعبير وخصوصا الحريّة الإعلاميّة، من هنا يصبح قانون الإعلام الجديد المنوي اقراره هذا العام بحسب رئيس ​لجنة الإدارة والعدل​ ​جورج عدوان​، بخطر الانحياز نحو الأحزاب السياسيّة الممثّلة في البرلمان، لا نحو الصحافيين الذين باتوا يعملون بظروف مرعبة.

إن هذا الواقع لا يبدو غريبا على "مهارات"، فهم الذين عملوا على مدى السنوات السابقة في مجال إعداد قانون الإعلام الجديد، لذلك تقول مخايل أن "​الضمان​ ليصدر القانون بالشكل الذي يضمن الحريات هو بالمراقبة التي نقوم بها نحن وكل الصحافيين والمؤسسات التي تُعنى بهذا الشأن"، مشيرة الى أن العمل الجدّي يكون بهذه المراقبة على عملية التشريع والأحكام والتدابير، لنكوّن صرخة فعليّة قبل أن نتحوّل الى عصر الدكتاتورية، والعَسْكرة.

لم يعد مُستَغربا أن يُحكم المواطن بالسجن لثلاثة أشهر بسبب رأي، ولن يكون غريبا أن يُسجن الصحافي بسبب أداء عمله، ففي زمن ​مكافحة الفساد​ الذي ينادي به الجميع أصبح الإعلام في خطر، وكأنّهم يريدون القول للصحافيين: "تحدّثوا بما تريدون ولا تقرّبوا من الحقيقة، لأنها تعرّي نسبة كبيرة ممن يعتبرون أنفسهم "رجال دولة".