قبل نحو اسبوع من اليوم، كان السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه حول مصير الأزمة ​الجزائر​يّة يتعلق بالقرارات التي سوف يتّخذها التحالف الداعم للرئيس ​عبد العزيز بوتفليقة​، على قاعدة أن "التغيير آت لكن السؤال عن الموعد والكلفة"، ومن بين السيناريوهات التي كانت مطروحة تراجع بوتفليقة عن الترشح.

أول من أمس، قرر التحالف الحاكم، الذي لا يزال يملك بزمام المبادرة، الذهاب إلى تأجيل الأزمة، من خلال تمديد الولاية الرابعة وتأجيل الإنتخابات الرئاسيّة لأجل غير محدّد، مقابل تعهّد الرئيس الجزائري بعدم الترشح مجدداً.

في هذا السياق، برز في الرسالة التي وجهها الرئيس الجزائري الإعلان عن إجراء تعديلات كبيرة على ​الحكومة​، بالإضافة إلى الحديث عن إنشاء ندوة وطنيّة مستقلة تتمتع بكل السلطات اللازمة لدرس وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات التي ستشكل أسس المسار الإنتقالي، من المفترض أن تكون برئاسة ​الأخضر الإبراهيمي​.

وعلى الرغم من أنّ هذه الخطوة يمكن إعتبارها بمثابة إستكمال للمسار التنازلي، الذي كان قد دخل فيه التحالف الحاكم، الّذي يضم المؤسّسة العسكريّة و​رجال الأعمال​ وشقيق الرئيس السعيد بوتفليقة، بعد أن كان أعلن سابقاً عن نيته تنظيم إنتخابات رئاسيّة مبكرة، لا يبدو أن المسار الذي ستسلكه الأزمة واضح المعالم، خصوصاً أنّ القرارات الأخيرة لم تضع إطاراً لتنفيذها.

على هذا الصعيد، شهدت الساحة الجزائرية إنقساماً حول كيفية التعامل معها، نظراً إلى أنّ تمديد الولاية الرابعة يعني، بطريقة أو بأخرى، إعادة إنتخاب بوتفليقة، الأمر الّذي كان يطالب به من خلال طرح إنتخابه لمدة عام، على قاعدة أنه سيسعى إلى تنظيم إنتخابات رئاسيّة مبكرة، وبالتالي لا يمكن القول أنها تمثل تنازلاً جديداً من قبل التحالف الحاكم، كما أنها تأتي بشكل مخالف للدستور الذي لا يسمح بالذهاب إلى تمديد ولاية ​رئيس الجمهورية​.

وتبرز مخاوف المعارضة الجزائريّة إنطلاقاً من أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها قطع وعود إصلاحيّة من جانب النظام الحاكم، حيث تم الإعلان عن خطوات مشابهة عند إندلاع أحداث ما يُسمى ب​الربيع العربي​، قبل أن يتمّ التراجع عنها لاحقاً وصولاً للإعلان عن ترشح بوتفليقة للولاية الخامسة، وبالتالي لا شيء يمنع من تكرار الأمر نفسه في المستقبل بعد إمتصاص حدّة الإحتجاجات في الشارع، خصوصاً أنّ موعد الإنتخابات المقبلة لم يحدّد مسبقاً.

بالتزامن، يرجّح البعض أن تكون المؤسسة العسكريّة هي وراء القرارات الأخيرة، لا سيما بعد تصريح رئيس أركان ​الجيش​ الفريق قايد صالح عن أن "الجيش والشعب لديهما رؤية موحّدة للمستقبل"، بالرغم من أنه يعتبر من أركان التحالف الداعم لبوتفليقة، ما يعزز من فرضيّة أن هذا التحالف لم يكن يتوقّع أن تكون ردّة الفعل على خطوة ترشح بوتفليقة بهذا الشكل، وبالتالي هو يسعى إلى كسب المزيد من الوقت قبل طرح المرشّح البديل عنه.

وفي حين لا تزال المظاهرات في الشارع مستمرّة ضد القرارات الأخيرة التي تم الإعلان عنها، يمكن القول أنّ الجزائر باتت أمام سيناريوهات محدّدة، بعد أن كسبت المعارضة جولتين حتى الآن أجبرت السلطة على التنازل في مرتين متتاليتين، منها التوافق على المرحلة الإنتقالية أو الإستمرار في الضغط، الذي قد يدفع التحالف الحاكم إلى تقديم المزيد من التنازلات أو التشدّد في التعامل مع الأزمة، من دون تجاهل إمكانيّة دخول العوامل الخارجيّة على الخطّ، خصوصاً أنّ ​فرنسا​، التي تعتبر اللاعب الأبرز، كانت تلتزم الصمت في البداية لكنها عادت ودعت إلى أن تكون الفترة الإنتقاليّة قصيرة، على قاعدة أنّ ما يحصل في الجزائر يؤثر عليها.

في المحصّلة، باتت الجزائر اليوم في قلب مرحلة إنتقاليّة غير واضحة المعالم، ولا أحد يستطيع التكهّن بالسيناريو الذي قد تذهب إليه، باستثناء الحسم بأن مرحلة عبد العزيز بوتفليقة باتت من الماضي.