قد يكون كذباً كل ما تعلّمناه في مدارسنا عن الحريّات في ​لبنان​. قد يكون حبراً على ورق، كل ما تدرّسه كليات ​الصحافة​ اللبنانيّة عن حرية الرأي والتعبير والحريّة التي يمتلكها الصحافي. سيأتي يوم، يصبح فيه الإعلامي في لبنان، شاعر بلاط يتغنى بفلان، ويمدح بنزاهة آخر، فقط كي ننال رضى ​القضاء​.

تتكرّر مؤخراً، وبشكل غير مألوف، عمليّة استدعاء الصحافيين إلى المحاكم. وباتت كتابة ال​مقالات​ وكشف الفاسدين والتعدّيات في هذا الوطن، جريمة. فقدت الصحافة في لبنان رونقها. لم تعد مدافعةً لا عن حقوق المواطن ولا عن الوطن، فكيف تلعب هذا الدور وهي غير قادرة للدفاع عن نفسها؟.

الصحافي في جريدة "​الأخبار​" ​رضوان مرتضى​، كان قد عبّر عن رأيه عمّا وصلت إليه حرية الرأي في لبنان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وروى حادثة حصلت معه نتيجة كتابته لأحد المقالات، وقال "اتصل بي رتيب من ​قوى الأمن الداخلي​ طالباً مني الحضور إلى فصيلة المنطقة. سألته عن السبب، فردّ بأنه يُريد إبلاغي دعوى قضائيّة. قلت له أن المفروض تبعاً للأصول أن تحضر أنت كي تُبلغني، فأجاب بأنني محق لكن لضيق الوقت اضطرّ لذلك، لأنّ جلسة المحاكمة غداً. سألته عن المدّعي فردّ: الحق العام. يعني ​الدولة اللبنانية​ مدّعية عليك. ضحكت. الدولة اللبنانيّة هي المدّعية. هي نفسها التي قتل مسؤولوها أحلامنا".

وفي حديث مع "​النشرة​"، شرح مرتضى أنه "في الفترة الأخيرة كان يتم تبليغي أسبوعياً بدعاوى قضائيّة لدى ​محكمة المطبوعات​ وغيرها بسبب مقالات أكتبها"، مشيراً إلى أن "الحادثة التي تناولها على مواقع التواصل الاجتماعي تتعارض مع الأصول المعمول بها"، لافتاً إلى "أنني حتى اليوم لا أعرف سبب الدعوى".

أما الزميل في صحيفة "النشرة" الإلكترونية ​محمد علوش​، والذي كان قد تلقى دعوى قضائيّة في العام 2016 لدى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتيّة بسبب مقال قد كتبه، لفت إلى أنّ "قانون تنظيم الإعلام الإلكتروني لم يكن قد أقر يومها ولم يقرّ بعد اصلا بانتظار خروجه من ادراج ​المجلس النيابي​، وبالتالي كانت كل الدعاوى تحوّل إلى هذا المكتب للتحقيق بها".

وشرح علوش أنه "تم استدعائي بناء على دعوى من احد موظفي ​وزارة الطاقة​ بسبب مقال يتحدّث عن عمليّات غير مشروعة يقوم بها هذا الموظف، وكنا نملك المستندات التي تثبت احتمال فساد الموظف وكانت بحاجة إلى أن تتابع من قبل القضاء أو المعنيين في الوزارة لكن النتيجة كانت أن أحداً لم يحقّق بالمعلومات بل تم أخذ الموضوع إلى مكان آخر".

من جانبه أعرب مرتضى عن استغرابه من أنّ "الدعاوى المقامة ضده من قضاة، يتم اللجوء فيها إلى قضاة زملاء للمدّعين ما يطرح علامات استفهام كثيرة عن سير هذه الدعاوى". وشدّد مرتضى على أن "​الدستور​ في لبنان كفل حرية الرأي والتعبير، إلا أن أيّ انتقاد وأيّ كشف للمعلومات يُعتبر قدحًا وذمًّا، والغريب في الموضوع أنه لو كانت المستندات التي تقدّمها صحيحة، ولو كان الشخص الذي نكتب عنه فاسداً، سيتم تحويلنا إلى القضاء بتهمة القدح والذمّ وسنكون مذنبين لأننا فضحنا فساد أحد المسؤولين".

ويوافقه الرأي علّوش، معتبراً أن "الصحافي ليعمل يجب أن يكون محمياً بالقوانين وهذا غير موجود في لبنان، كما أننا بحاجة لتغيير ثقافة المسؤول وجعله متقبلاً للنقد، اذ لا يمكن للصحافي ان يسأل السياسي من أين لك هذا فيجد نفسه أمام القضاء، لكن بالعكس، بما أنه مسؤول في الدولة عليه الإجابة عن هذه الأسئلة".

باتت كلمة "السلطة الرابعة" كبيرة نسبياً على العمل الصحافي في لبنان. فلم يعد للإعلامي أيّ سلطة، بل بات خاضعا لقواعد تجعل منه "أخرساً" أمام فساد بعض المسؤولين. فهل المطلوب منّا كإعلاميين أن نصبح "شعراء بلاط" كي نحمي أنفسنا؟!.