منذ ما قبل تشكيل حكومة ​سعد الحريري​ الثالثة، كان من المتوقع أن يكون ​ملف النازحين السوريين​ هو الأبرز على طاولة ​مجلس الوزراء​، نظراً إلى التداعيات المترتبة على ​لبنان​ من جراء هذه الأزمة من جهة، بالإضافة إلى الانقسام الداخلي حول كيفية معالجته من جهة ثانية بين وجهتي نظر: الأولى تعتبر أن التنسيق مع ​الحكومة​ السوريّة أكثر من ضروري، بينما الثانية ترى أن لا مصلحة في الخروج عن الإجماع الدولي والعربي حول كيفيّة التعامل مع دمشق.

بعد ​تشكيل الحكومة​، ظنّ الكثيرون بأنّ انتقال وزارة الدولة لشؤون النازحين من الوزير السابق ​معين المرعبي​، المحسوب على تيار "المستقبل"، إلى الوزير الحالي ​صالح الغريب​، المحسوب على "​الحزب الديمقراطي اللبناني​"، يحمل معه تغييراً في كيفية التعاطي مع هذا الملف الحساس، خصوصاً أن الفريق السياسي الذي ينتمي إليه الغريب معروف بعلاقاته الجيدة مع ​سوريا​، إلا أنّ الواقع لا يبشّر بالخير.

ضمن هذا السياق، تضع مصادر سياسيّة مطلعة، عبر "​النشرة​"، السجال الذي رافق الإعداد لمشاركة لبنان في مؤتمر ​بروكسل​، لا سيّما لناحية عدم ضم الوفد الرسمي الوزير المعني بهذا الملفّ في ظلّ المواقف التي يطلقها، وكأن هناك من يريد أن يوجّه رسالة إلى من يعنيهم الأمر في الخارج بأن لا جديد في ​السياسة​ اللبنانيّة الرسميّة الخاصّة بالتعاطي مع أزمة ​النزوح​.

وعلى الرغم من تشديد هذه المصادر على أهميّة الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة، قبيل مغادرته إلى بروكسل، إلى ​القصر الجمهوري​، حيث التقى رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​، بالإضافة إلى المواقف التي أطلقها في المؤتمر، تؤكد في المقابل أن تلك التي أطلقها وزير الخارجية والمغتربين ​جبران باسيل​، خلال احياء "​التيار الوطني الحر​" ذكرى الرابع عشر من آذار، ينبغي التوقف عندها مطولاً، لا سيما لناحية إشارته إلى أن هذه المؤتمرات تموّل بقاء النازحين في أماكن تواجدهم لا عودتهم.

وتشير المصادر نفسها إلى أنّ هذا الملفّ من المفترض أن يكون موضع متابعة بعد عودة رئيس الحكومة إلى البلاد، خصوصاً أن لبنان لم يعد يمتلك ترف انتظار ما تريده بعض الجهات الدوليّة والإقليميّة، أيّ ربط عودة النازحين بالعمليّة السياسيّة في سوريا، خصوصاً أنّ تلك الجهات لا تعاني ما يعانيه البلد على المستوى الاقتصادي أو على المستوى الاجتماعي، وتسأل: "لماذا لا يستقبل من يريد انتظار الحل السياسي النازحين عنده"؟.

في هذا الاطار، تشدّد المصادر السياسيّة المطّلعة على أنّه لم يعد سراً الحديث عن أنّ المطلوب في الوقت الراهن إبقاء النازحين في أماكن تواجدهم، في ​تركيا​ و​الأردن​ ولبنان بشكل خاص، لمدّة عامين على أقل تقدير، على أن يستعمل هذا الملفّ في سياق الضغط على الحكومة السوريّة خلال مرحلة المفاوضات السياسيّة، لكنها تستغرب أن يكون هناك في الداخل من يتماهى مع هذا التوجّه، لا سيّما أنّ لبنان لا يملك القدرة على التأثير في مسار الأزمة، التي تتداخل فيها الكثير من العوامل المعقّدة.

انطلاقاً من ذلك، ترى المصادر نفسها أن من الضروري التركيز على المصلحة الوطنيّة في هذا المجال، التي تطلب البحث عن أقرب طريق لمعالجة هذه الأزمة، وتلفت إلى أنّ الأكيد أن دمشق أقرب بكثير من بروكسل أو أيّ عاصمة أخرى، خصوصاً أن ليس هناك ما يحول دول ذلك باستثناء انتظار بعض الأفرقاء مواقف القوى الخارجيّة الداعمة لهم، وتضيف: "كل الحجج الأخرى غير مقنعة، فلا الحكومة السوريّة تحتاج إلى اعتراف لبنان لتأكيد شرعيّتها، طالما أن ​الأمم المتحدة​ تعترف بها، ولا العلاقات معها مقطوعة في الأصل للحديث عن إعادة تطبيعها".

في المحصّلة، تعتبر هذه المصادر أنه بين المصالح الخارجية والمصلحة الوطنيّة من الضروري حسم الموقف من هذا الملف بأسرع وقت ممكن، خصوصاً أن الرهان على المبادرة الروسيّة، التي يتخذ البعض منها شمّاعة، لم يعد يكفي وحده، نظراً إلى أنها عالقة في ظل "الفيتوات" الموضوعة في طريقها.