يعيش ​الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي​ وضعاً مالياً صعباً بسبب الهدر الموجود فيه، وعدم نجاح المحاولات العديدة التي قام بها المسؤولون المتعاقبون للحفاظ على أكثر مؤسسة تضمن ​الأمن​ الإجتماعي في البلد.

آخر محاولات ​مكافحة الفساد​ ووقف الهدر في الصندوق كانت عبر وزير ​العدل​ الأسبق ​سليم جريصاتي​ حينما طلب من النائب العام لدى ​محكمة التمييز​ ​القاضي سمير حمود​، سنداً للمادة 14 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إجراء التعقبات بشأن أفعال تنطبق عليها أوصاف الإهمال الوظيفي وهدر الأموال العامّة واختلاسها في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي. خطوة جريصاتي جاءت بعد ​تقرير​ شامل، حصلت "​النشرة​" على نسخة منه، أعدّه أعضاء من مجلس إدارة صندوق ​الضمان​ فصّلوا فيه مكامن الخلل الحاصل فيه.

لا شفافية؟

إن مراجعة الحسابات الختاميّة للعام 2006 حتى العام 2010، أثبتت وجود عدة أخطاء أدّت إلى ظهور أرصدة مدينة ودائنة للمشتركين غير صحيحة، إذ بلغ عدد المؤسسات التي عليها أرصدة مَدينة للصندوق نسبة 30% فقط من مجموع عدد المؤسسات المسجّلة، بينما بلغ عدد المؤسسات التي لها أرصدة دائنة على الصندوق نسبة 70%.

كما أن عدَد المؤسسات الممكننة في وحدة المشتركين والمسجّلة كمؤسسات منتسبة للصندوق من 51967 مؤسسة في العام 2006 إلى 47041 في العام 2010 دون تبرير ذلك. ولم يقم الصندوق، منذ العام 2006 حتى اليوم بإجراء جردة لأوراق القبض، أيّ سندات التقسيط ومطابقة الوجود الفعلي لهذه الأوراق مع قيود السجلات العائدة لها لتحديد الفروقات إنْ وجدت.

إضافة لذلك، أثبت التقرير ثغرات عديدة في ​الوضع المالي​ في المؤسسة، وعدم شفافيّة في الحسابات، وكل هذا لم يقابله أيّ إجراءات أو تدابير مناسبة من قبل المسؤولين والمراقبين في المؤسسة.

استخدام أموال "نهاية الخدمة"

آخر ما تم الإعلان عنه في موضوع الوضع المالي لصندوق المرض والامومة هو بلوغ العجز الحاصل في نتائج سنة 2016، 147 مليار ليرة، وبلوغ رصيد العجز المتراكم في نهاية 2016 مبلغ 37 مليار ليرة فقط. هذه الأرقام تثبت الخلل الواضح في الحسابات داخل صندوق المرض والأمومة.

لذلك، وفق تقرير أعضاء مجلس الإدارة، فإنّ العجز الحقيقي لصندوق ضمان المرض والأمومة هو 620 مليار ليرة، وهو ما يفوق بأضعاف العجز المُعترف به من قبل القيّمين على المحاسبة في الصندوق.

المشكلة هنا تكمن في تغطية هذا العجز، إذ انه يجري تمويله من أموال صندوق نهاية الخدمة خلافاً للقانون ودون موافقة صريحة من مجلس الإدارة وسلطة الوصاية.

إضافة لكل ما سبق، يعاني الصندوق من أزمة على صعيد المَكنَنة. إذ انه في العام 2003، تسلّم الضمان من الخبراء الأجانب نتائج تلزيم وضع المخطّط التوجيهي للصندوق، تضمنت خطة شاملة للتحديث من حيث الهيكلية الإداريّة والأسس النظاميّة والمخطط التوجيهي العام لأنظمة المعلوماتيّة. لكن تم استبعاد المرحلة الثانية وحصرت التلزيم بمكننة الأعمال الجارية في الصندوق والتي تشكل المرحلة البدائيّة منها. وفي العام 2008 أنجزت أعمال المرحلة الأولى حيث كان من المفترض البدء بتلزيم تنفيذ المرحلة الثانية التي تشكل المكننة الحقيقيّة. إلا أنه وحتى اليوم، اي بعد مرور 11 عاماً، لم يتمّ تنفيذ أي خطّة دون تبرير ذلك.

إن هذه الأرقام والثغرات المذكورة، تشكّل نقطة من بحر الهدر وعدم الشفافية الذي يغرق فيه الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي حيث بات من الضروري حلّها. لذا لا بد من الاقدام على اجراء اصلاح جذري فيه، يتناول في المرحلة الأولى تأمين الشفافية والرقابة والمحاسبة والوضوح في تحديد المسؤوليات والصلاحيات.