من سمع بالامس الامين العام ل​حزب الله​ ​السيد حسن نصر الله​، لم يتأخر جداً ليدرك انه خصص كلمته للرد على وزير الخارجية الاميركي ​مايك بومبيو​ الذي غادر ​بيروت​ نهاية الاسبوع الفائت بعد ان ادلى بدلوه في موضوع حزب الله و​ايران​. وكل من سمع نصر الله، عرف ايضاً انها من المرّات القليلة التي يخصّص فيها الامين العام للحزب كلمته، للردّ على شخص، ما يعني انّ الامر يستحق ذلك.

وبعد وقت قصير كان لا بد منه للتطرق الى الاوضاع في الدول العربيّة بشكل سريع، وقرار الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ ضمّ ​الجولان​ الى ​اسرائيل​، بدا نصر الله ردّه بإسهاب على كلام بومبيو في بيروت، وكاد ان يحلّل كل جملة قالها الوزير الاميركي وتهجّم فيها على الحزب وايران. ولو لم يجد انّ الامر على قدر كبير من الاهميّة، ولو لم يستشفّ بأنّ "الهجمة" الاميركية على الحزب جدّية واقوى من المرّات السابقة، لما ظهر نصر الله وقال ما قاله.

عناوين كثيرة اطلقها الامين العام للحزب، وتسميات واوصاف عديدة تلاها في معرض كلمته، ولكن كان لافتاً العودة الى تسمية ​الولايات المتحدة الاميركية​ بـ"الشيطان الاكبر، وهي كانت غائبة خلال فترة غير قصيرة من الزمن، وها هي تعود اليوم الى الساحة. ولكن الفارق هذه المرة اساسي، ففي حين انّ التسمية بقيت نفسها، الا انّ المقاربة اختلفت بشكل جذري. لم يعمد نصر الله الى "تجييش" مؤيّدي ومحبّي الحزب للقيام بردّ فعلي ميداني أكان بصورة تظاهرات او "هجوم" في المواقف من قبل نواب ووزراء واصدقاء الحزب، بل اختار الرد بالمثل، فأعطى ردا على كل ما قاله بومبيو من بيروت.

ولم يكن نصر الله غائباً عن التطورات، وكان بإمكانه بكل سهولة، ان يجيّش العواطف بفعل القرارات الاميركيّة الخاطئة التي تمّ اتخاذها اخيراً، وخصوصاً تلك المتعلّقة ب​القدس​ والجولان، وان يعمد في المقابل الى التهيئة لمعركة سياسية-اعلامية وربما ميدانية ضدّ خصومه في السيّاسة على الاراضي ال​لبنان​يّة. ولكن التهدئة الداخلية كانت واضحة في المفاصل الاساسيّة لكلمته، والقى بكل اللوم على الاميركيين انفسهم، ناصحاً الافرقاء في الداخل التعلّم من تجارب الماضي، والرهان فقط على الوحدة والتضامن في ما بينهم. واتبع نصر الله تحذيراته مما اعتبره مخططات الاميركيين للفصل بين اللبنانيين وتباعدهم، بالتأكيد على ما كان سبق واعلنه في اكثر من مناسبة من انه من غير المقبول التفريط بالوحدة الداخليّة، وانه سيستمر في معركته ضد ​الفساد​ لإظهار الوجه الآخر للحزب، الوجه الذي يدافع فيه عن اتّهامات بعض الدول لحزب الله بأنه ارهابي ويجب قطع العلاقات معه. وابتعد كلياً عن ايّ فكرة تقضي بمواجهة عسكريّة داخلية، لانّه يعلم ان اضرارها اكبر بكثير من فوائدها، كما ان من شأنها تأكيد كل ما يقوله الغرب من انّ الحزب ارهابي ويسيطر على البلد ويأخذ اللبنانيين رهينة... وبالتالي، يكون الحزب قد عمد الى القيام بما هو اكثر من "​النأي بالنفس​" واقلّ من "قطع الخيوط" بين لبنان واميركا، دون المساس بالستاتيكو المعمول به حالياً، والذي يفرض توازنات معيّنة في المنطقة من غير المحبّذ الاخلال بها من اي دولة اتت.

عاد الحديث عن "الشيطان الاكبر"، انما هذه المرة بطريقة اكثر واقعية وبمقاربة لن تؤدي الى علاقة متينة بين الحزب و​واشنطن​، ولكنها ستكون كفيلة بزرع خطوة جديدة على طريق التعافي اللبناني دون الدخول في مواجهات عقيمة، ليقتصر سلاح المواجهة على الرد الكلامي وعلى اثبات تأييد قسم من اللبنانيين للحزب بشكل مميز.