بين الفَساد وعدم الكِفاية أَكْثر من تَقاطُعٍ، فيما النَّتيجة تَكون وكالعادة–على حِساب المُواطن!. فالفَساد يتجلَّى في وَجْهٍ مِن وجوهه بإِلْحاق المُوظَّف غير الكَفؤ بوظيفةٍ تتطلَّب شُروطًا خاصَّة ومَهارات وكِفايات لا يَسْتطيع مُطْلق شَخْصٍ التَّحلِّي بِها...

وحين يَكْتَمِل التَّوظيف على قاعِدة "الواسطة السِّياسيَّة" والمُحاصصة وتَوْزيع المَغانم الوظيفيَّة على النَّاخِبين، يكون ولاء المُوَظَّف –مَبدئيًّا– للمَسْؤول السِّياسيِّ الَّذي عيَّنه في موقعٍ، حارمًا غيرَه مِن أَصْحاب الكِفايات العلميَّة والوظيفيَّة كما والخلقيَّة من التَّوظُّف، لانْتِفاء شرط "العلاقات العامَّة الانْتِخابيَّة"...

غير أَنَّ المَسْؤوليَّة يَنْبغي أَلاَّ يتحمَّلها موظَّفٌ قضى "زَهْرة شَبابه" في مرْفَقٍ عامٍّ أَمْضى فيه عُقودًا من العَمل، وبِخاصَّةٍ إِذا كان هذا المُوَظَّف مُنْتِجًا على رغم دُخوله "بالواسِطة" إِلى مَجال العَمل في المُؤَسَّسة الرَّسميَّة، وثمَّة الكثير من المُوَظَّفين الكَفوئين الَّذين حُرِموا الوصول إِلى مَرْكزٍ مَرْموقٍ لأَنَّ في الوَساطة السِّياسيَّة "مَقاماتٍ"... بل يَنْبغي تَحْميل مَسؤوليَّة كلِّ موظَّفٍ فاشلٍ، إِلى المَرْجع السِّياسيِّ الَّذي أَسْقطه إِسْقاطًا في الوَظيفة الرَّسْميَّة!.

وحين تَسْمع مَرْجعًا سياسيًّا أَو دينيًّا نافذًا، يُدافع عن موظَّفٍ واصِفًا إِيَّاه بأَنَّه ناجِحٌ، وقد مَكَث في الوَظيفة ما يَزيد عَنْ عَقْدٍ من الزَّمَن، من دون إِحْداث نَقْلةٍ نَوْعيَّةٍ في عَمَله، فَكُنْ على يقينٍ أَنَّ هذا المَرْجع السِّياسيّ أَو الدِّينيّ إِنَّما يُدافِع عن مَصْلحةٍ خاصَّةٍ في إِبْقاء مُوَظَّفٍ "زَرَعه" في وزارةٍ، وامْتدَّت جُذوره وتشعَّبت مَصالحه، وقد باتَ الحاكمَ بأَمْره، فَصار رحَّالاً، سائِحًا، عابِرًا للحُدود بوَتيرةٍ مُرْتفعةٍ، على حِساب خَزينةٍ مُنْهكةٍ، هَزيلةٍ ومَسْروقةٍ!. فإِلى هَذا الحدّ، تَظْهر وَقاحة المَرْجعيَّات في دِفاعِها عن بَعْض الفاسِدين والمُفْسدين والعابِثين في الوطنِ فَسادًا!.

والأَنْكى أَنَّ المُعيَّن في وظيفةٍ على خطٍّ من خُطوطِ الفَساد المُسْتَشْرية، لا يَأْبَه لتَطْوير كِفاياته الوظيفيَّة الَّتي لم توصِل بِه أَصْلاً إِلى ما هو عليه اليَوْم مِن مَنْفعةٍ عامَّةٍ، في دولةٍ نَخْجل أَنْ نَقول إِنَّهم حوَّلوها إِلى "بَقرةٍ حَلوبٍ"، تدرُّ بخَيْراتها على الأَزْلام والمُسْتزلمين على حدٍّ سواء!.

لا دورات تَأْهيليَّة تَنْفع مع هَؤُلاء، إِلاَّ الدَّوْرات في العَلاقات العامَّة، ومدِّ أَنابيب المُنْتَفعات وجُسور الاسْتِفادة وأَبْواب التَّرزُّق... كي يَغْرِفوا أَكْثر، ويَنْتفِعوا أَكْثر، ويَنْغمِسوا في الفَساد حتَّى الأُذُنَين الاثْنَتَين!. وكذلك فَهُم لَيْسوا في حاجةٍ إِلى التَّمرُّس بلَياقات الخِدْمة في الوَظيفة العامَّة، فسُبْحان مَن وَكَّلَهُم برقاب النَّاس والعِباد!.

نَماذج واقعيَّة

وبحسب المُعادَلة تَكون النَّتيجة، وبالتَّالي فما يَعيشه المُواطن اليَوْم، حين يُذلُّ على أَبْواب المُسْتشفيات والصّنْدوق الوَطنيّ للضَّمان الاجْتِماعيّ، هو حتمًا نابِعٌ من التَّوْظيف العَشْوائيّ على قاعِدة الاسْتثمار الانْتِخابيِّ!.

إِنَّ الجَميع يَتَناول مَوْضوع الفَساد مِن باب إِهْدار الأَمْوال العامَّة، وهم مُحِقّون في ذلك، غَيْر أَنَّ مِن الفاسِدين أَيْضًا مَن يَسْرقون نَهارَك ويُؤْرقون لَيْلك، لأَنَّ المَسْؤول بَيْنَهُم لم يُحْسِن السَّعي إِلى انْتِشال المُؤسَّسة الرَّسميَّة حَيْث يَعْمَل مِن بَراثن "البيروقراطيَّة"، والمُوظَّف بَيْنَهُم غير المُتَحلِّي بالخُلُق الرَّفيع وغير المُشْبع بالقِيَم والمَبادئ، لا يُحسِن التَّصرُّف بلَياقةٍ مع المُواطِنين...

فأَنْت إِنْ أَرَدْت مثلاً أَنْ تَحْصل على مُوافَقةٍ مُسْبقةٍ مِن "الصّنْدوق الوطنيّ للضَّمان الاجْتمِاعيّ"، لإِجْراء عِلاجٍ طبيٍّ، وصودف تغيُّب موظَّفٍ بداعي الإِجازة الوظيفيَّة الَّتي لا يَنْكر أَحدٌ حقَّه بها... عِنْدها يَكون دَرْب الجُلْجُلة مُضاعَفًا. إِذْ خِلافًا للقاعِدة الوَظيفيَّة المُعْتَمدة في الوَزارات اللُّبْنانيَّة كافَّة، والقاضِية بتَعْيين موظَّفٍ بديلٍ خِلال غِياب أَحَد الموظّفين، فإِنَّ الاسْتِنْسابيَّة تَكون هي السَّائدة في أحدِ مراكزِ ​الضمان​. وتَأْتيك المُوَظَّفة في التَّصْفية (ن.ص) لتَسْتبدَّ في أُناسٍ لا حَوْل ولا قوَّة لهم، إِذ باتَت هي أَو لا أَحد في المُعادَلة. وإِذا حصلْتَ على المُوافَقة المُسْبقة، ولو في مُنْتصف "بَرْمة العَروس"، وطُلب مِنْك إِحْضار المَريض ليُعاينه الطَّبيب المُخْتَصّ، فإِنَّ "قَبْضة (ن.ص)" الحَديديَّة، تُعيد مُعامَلتك –إِذا كُنْت لا تَروق لَها– إِلى نقْطة الانْطِلاق مُجدَّدًا، مَع مُستَنَدات الوافِدين الجُدد من المُواطِنين المَغْلوب على أَمْرهم، حتَّى ولو أَنَّ المُعاملة باتَت الآن مُذيَّلة بِتَوْقيع الطَّبيب!. فماذا يُساوي تَوْقيع الطَّبيب مُقارنةً بِتَوقيع "(ن.ص) المُسْتبِدَّة"؟!.

وهكذا يتطلَّب الحُصول على المُوافقة المُسْبقة للاسْتِشْفاء نيِّفًا وخمس ساعات بالتَّمام والكَمال، يتفرَّغ خلاله كلٌّ من المَضْمون والمَريض يَوْم عملٍ ويَوْم دِراسَة، من دون ذِكْر المُعاملة غَيْر اللائِقة مِن بَعْض المُوظَّفين المَحْسوبين على مَن أَبْلى المُؤسَّسة الرَّسْميَّة بهم!.