منذ 3 أشهر، صارت وزارة الكهرباء تبتسم. عظيم. الحمدلله.

وزيرة الكهرباء والنفط والغاز، السيدة ندى البستاني خوري، دائمة الابتسام. في أكثر المواقف صعوبة لا تتلكأ عن توزيع ابتساماتها، في المؤتمرات الصحافية والاجتماعات وندوات العمل.

هل يدفعنا هذا إلى التفاؤل؟

نريد أن نتفاءل، ونريد أن تنتقل إلينا عدوى الابتسام من معاليها. ولكن، اعذرونا. ظروفنا لا تسمح. فلا شيء عندنا إلا ويدعو إلى القلق ويثير الهواجس… خصوصاً في مسألة الكهرباء التي كلّفتنا حتى اليوم 35 مليار دولار… ولم تأتِ.

لو دفعنا 35 ملياراً وطلبنا الشمس كلها لتأتي إلينا، بكامل طاقتها الكهربائية، لحضَرَت فوراً!

***

اليوم، في جلسة مجلس الوزراء، نحن موعودون بالخطة التي اتفقوا عليها في الجلسات الخمس الطارئة للجنة الوزارية. وطبعاً، اتفاقهم مبدئي، لأن هناك أموراً أكبر من قدرة اللجنة، وتُرِكت للحلِّ في مجلس الوزراء:

أولاً، حكاية إبريق الزيت. مَن سيتولّى التلزيمات في هذا القطاع، اللجنة الوزارية أم دائرة المناقصات؟

وثانياً، مَن سيكون الأقوى في المجلس الجديد لمؤسسة كهرباء لبنان؟

وثالثاً، كيف ستكون تركيبة الهيئة الناظمة للقطاع؟

في المبدأ، الكل مستعجلون لإنجاز الحل، لأن الموفد الفرنسي بيار دوكان، العائد قريباً، يعتبر الكهرباء أكبر عائق في وجهِ عملية تقليص العجز. وهو لا يمزح.

كما أن البنك الدولي "يُحصي أنفاسنا" في هذه الفترة. وهو شارك في اجتماعات اللجنة كلها، ويمارس "المَوْنة" في إقرار الخطة. فلا مساعدات هذه المرّة إلا إذا توافرت الشفافية.

ويقال إن "تسوية خلّاقة" قد يتم إقرارها اليوم في مجلس الوزراء. وعلى سيرة الفرنسي دوكان، فإن "التسوية الخلّاقة" ستكون على طريقة برنامج جاك مارتان، في برنامج المواهب الفرنسي الشهير: "الكل رابحون". فالكل سيشارك في المناقصات معاً: اللجنة والإدارة… ومعهما البنك الدولي أيضاً!

وأما في ما يتعلق بمجلس إدارة المؤسسة والهيئة الناظمة، فهناك تفكير بإشراك كل القوى السياسية، بحيث يكون هناك توازن معيّن داخل إدارة القطاع، بين القوى السياسية.

***

إذا كان هذا الاتفاق ممكناً اليوم، فلماذا تأخّر لسنوات طويلة حتى تكبَّدت الخزينة أعباء هائلة يكاد يسقط البلد تحتها؟

وإذا كان هناك مَن هو مستعدٌّ اليوم للتنازل، فلماذا كان يعاند طوال السنوات الماضية؟

وإذا كانت الشفافية قد أصبحت ممكنة، فلماذا كان التعتيم سيد الموقف، "ولو على قطع رأسنا"، كل هذه السنوات؟

وهل من الضروري أن يمارس علينا المجتمع الدولي تهديداته حتى نقتنع بالإصلاح؟

***

لا نفهم اليوم كيف أصبح ممكناً إيجاد حلول لمسائل كان مستحيلاً حلّها قبل أسابيع قليلة.

لا نفهم كيف حُلَّت، في لحظة، مسألة المشروع المتعلق بمعمل كهرباء سلعاتا، منطقة حامات العقارية.

ففي العام 2017، قدّرت مؤسسة كهرباء لبنان أكلافه بأكثر من 200 مليون دولار، على أساس أن هناك حاجة إلى مساحة 207 آلاف متر مربع. وقدَّرت سعر المتر الواحد بـ1000 دولار في سلعاتا!!

واليوم، تحت التهديد الدولي وإجبارنا على التقشّف، تراجعت الوزارة عن طموح الـ207 آلاف متر. وباتت تكتفي بـ30 ألفاً، أي بـ30 مليون دولار. ويجزم الخبراء أن هذه المساحة ما تزال أكثر من كافية ووافية للمعمل.

فلماذا إذاً كانت "البعزقة" فيما أعباء الكهرباء تخنق البلد؟

وهل الأفضل لنا أن نخضع لوصاية الدول المانحة كي ينجو البلد من مزيد من الانهيار؟

***

المهمّ الآن، نريد أن نعرف: وعدونا بتأمين الكهرباء 24 على 24، ولكن، كيف سيتم ذلك إلى حين إنجاز الخطة النهائية والمتكاملة؟

هل سيتم التجديد لعقد البواخر، وتتم الاستعانة بواحدة أو اثنتين أيضاً، كما نسمع؟

وكيف تبدّلت، بهذه السرعة، خطة الكهرباء التي اعتمدها الفريق نفسه منذ العام 2008؟

بعض النواب يقولون: راجعوا المراسلات المتعلقة بمعمل الذوق. إن شركة معينة ترسو عليها العقود بالتراضي دائماً. فهل ما يقوله هؤلاء صحيح؟ مَن يوضح؟

واليوم تقول معالي الوزيرة إن هذا المعمل المهترئ سيتحوَّل إلى الغاز النظيف رحمةً بمن بقي على قيد الحياة في كسروان.

فكيف ومتى وبأي أكلاف؟ وطبعاً، لا علاقة لمعالي الوزيرة التي جاءت قبل أسابيع إلى الوزارة، ولكن مَن يعوِّض الناس فقدان أحبائهم بالسموم عشرات السنين؟

***

الناس يسمعون اليوم كلاماً كثيراً عن الإصلاح ومحاربة الفساد، ولكنهم لم يعودوا قادرين على التصديق. فالمؤمن لا يُلدغ من جحرٍ مرتين… فيما نحن لُدِغنا مئات وآلاف المرّات؟

لماذا تتأخّر الموازنة حتى اليوم، على رغم أن عمر الحكومة ناهز الثلاثة أشهر، وعلى رغم أن الجهات المانحة تضغط عليها إلى الحدّ الأقصى لإنجازها؟

يقولون: الأمر يتعلَّق بإجراءات موجعة سيتم اتخاذها. فما هي هذه الإجراءات؟ ولماذا التريّث؟

ربما التريّث لأنها ستطال الميسورين وحيتان المال الكبار، كما يتردّد. وطبيعي أَلاَّ يتحمّسوا ليفرضوا الضرائب على أنفسهم، وأن يتملّصوا منها إذا استطاعوا، ولو كلّف ذلك سقوط البلد. وعادةً، هذا ما يفعلونه.

نتساءل بكل براءة من هم أصحاب الشركات الاحتكارية الكبرى، في المال والتجارة والصناعة، هل فعلاً بلطوا البحر واستولوا على الأملاك البحرية والنهرية… "ببلاش" تقريباً؟ وهل يمكن محاسبة هؤلاء؟ لا نعتقد ولو بالحلم.

وهم الذين يمسكون بالمرافق العامة، ويجيِّرون التلزيمات لأنفسهم بأغلى الأسعار، ومن دون حسيب أو رقيب.

***

لذلك، الناس العاديون ليسوا مطمئنين إلى ما ينتظرهم.

يسمعون أن الضريبة على الودائع ستطال أصحاب المال الوفير، وأن الضرائب الجمركية ستطال الكحول والتبغ والمواد الغذائية الفاخرة والسلع التي لا تعني الفقراء وحتى الطبقة الوسطى.

عظيم، الناس العاديون يكفيهم بهذه الأيام خبزهم كفافَ يومِهم. ويكفيهم البرغل والعدس وكأس العرق البلدي...

ولكن، أليس في الكواليس همسٌ عن المسّ برواتب التقاعد التي يعتاش منها أبٌ أو أمٌ أو ابناءٌ هم في أمسّ الحاجة إليها… فيما الرواتب الهائلة جرى توزيعها على الآلاف من المحاسيب قبل الانتخابات؟

أليس في الكواليس كلام على تدابير قاسية سيتمّ "تبليعها" للناس شيئاً فشيئاً بعد أن تمرّ العاصفة؟

والأهم، ألا يعرف المسؤولون أي مقدار من القلق يعصف بالناس العاديين وهم يسمعون السجالات المكشوفة بين المرجعيات المالية والاقتصادية والنقدية، ما يزعزع الثقة ويطرح الشكوك حول سلامة الوضع ككل؟

ألم يتدخّل المصرف المركزي في سوق القطع يوم الجمعة الفائت، بعد زيادة الطلب على الدولار، نتيجة الحملة على الدكتور رياض سلامة؟

***

نحن نريد أن نتفاءل مع المتفائلين. ولكن، رجاءً، امنحونا موهبتكم التي تتمتعون بها!

نحسدكم على صلابة أعصابكم. كيف استطعتم أساساً أن توصلوا البلد إلى دين الـ100 مليار دولار؟

لو لم يصل البلد إلى مشارف الانهيار، ما كان شيء يستفزكم للبحث عن سبيل لإنقاذ الوضع.

لكنكم استنفرتم ليبقى البلد والناس في خدمتكم، وليباركوا لكم ما تجنيه أيديكم…

***

كان الشعار المرفوع يوماً على مدخل الذوق: ابتسم أنت في الذوق!

هذا الشعار يناسب معالي الوزيرة التي زارت المعمل قبل يومين. ومعها سنتفاءل بالخطة الجديدة للقطاع، سواء بتأهيل المعامل أو بباخرة جديدة... معقول ويا ترى كم كلفتها؟

فنحن تَعِبْنا كثيراً. ونخشى أن يكون مستقبلنا كلُّه مُبْحِراً في باخرة من تلك البواخر...